Newsletter

Pour recevoir les nouvelles du site, entrez votre courriel et cliquez sur « Je m’abonne »

La théologie contextuelle arabe, An-Nahar, 15.02.2009

اللاهوت السياقي العربي

 

 سبق وتكلّمت مرارا عن اللاهوت العربي الحديث وعن بعض مقوّماته. يروم هذا المقال الى توضيح معنى هذا المفهوم عبر ادراجه في اطار منطق لاهوتي سياقي (Contextual Theology) يقترح رؤية جديدة للعمل اللاهوتي ومفهوما جديدا يختلفان عمّا يمككنا معرفته من خلال المنظومات اللاهوتية التقليدية. هذا التفكر ليس بترف فكري، وقد اصاب العمارة اللاهوتية العربية الترهل والتفسّخ والتراخي كما يقول مشير عون. النهضة اللاهوتية واجبة ان اراد المسيحيون البقاء الحر والفاعل وان اردنا، نحن المسيحيون العرب، المساهة الفعّالة بانهاض شرقنا النازف.

 أسس العمل الاهوتي التقليديّة تتكلّم إجمالاً عن مصدر أو مصدرين لكل بناء لاهوتي. فاللاهوتيّات التقليديّة الكاثولكية أو الأرثوذكسيّة تتكلّم عن مصدرين هما الكتاب المقّدّس والتقليد. أمّا لاهوت الإصلاح فهو يعتبر الكتاب المقدّس كمصدر وحيد. لاهوت السياق هو لاهوت حديث يعتبر أنّه لا يمكن بعد الآن الإعتماد في العمل الاهوتي على المصدران الآنف ذكرهما فقط. فعلى السياق أن يكون مصدر أساسي لللاهوت بجانب الكتاب المقدّس والتقليد. وما السياق إلّا الإطار الذي يُحاول في خضمّه فهم كلمة الله وفهم العالم على ضوئها، العيش والتصرّف والتفكير على أساسها والشهادة لها. ما هذا السياق الّا الإطار التاريخي والجغرافي والوجودي المعاش، بكل نواحيه الإجتماعيّة والسياسيّة والإقتصاديّة والثقافيّة… تعدّدت آراء اللاهوتيين السياقيّين حول تراتبيّة المصادر اللاهوتيّة الثلاثة: فالبعض من قال بأولوية السياق والبعض الآخر من قال بأولويّة الكتاب المقدّس. ولكن الثابت هو طريقة العمل اللاهوتي الجديدة والتعددية التي تعتبر السياق كمصدر أساسي للعمل اللاهوتي. التيّارات اللاهوتية السياقيّة المعاصرة كثيرة، سأستعرض منها نموذجان لمزيد من الفهم والوضوح.

 لاهوت التحرير في أميركا اللاتينيّة ولد بحسب تعبير مؤتمر مدلّين عام 1968 في سياق “بؤس عام ]أضنك جملة الشعوب في أميركا اللاتينيّة[، يعبّر عنه كظلم صارخ نحو السماوات”. فضرّاء هذه الشعوب وفقرها واللاعدالة الإجتماعيّة أدّت إلى إعادة تفكير الإيمان المسيحي والكتاب المقدّس والتعاليم الكنسيّة بشكل مختلف عمّا قبل، لا يدنو من اللاهوت إلّا من خلال السياق الإجتماعي والسياسي والإقتصادي. فبدل فهم الواقع على ضوء الكتاب المقدّس والتقليد، فُهم الكتاب المقدّس والتقليد انطلاقاً من الواقع وبعيداً عن الغيبيّات اللاهوتية التقليدية والروحيّة المنزّهة عن واقع التاريخ المباشر. أدّى ذلك إلى بلورت منهجية لاهوتية جديدة، عبّر عنها غوستافو غوتييريز، ليوناردو بوف، جون سوبرينو وغيرهم…

 اللاهوت الأسود (Black Theology) ولد في سياق صراع سود الولايات المتحدة من أجل تحريرهم من التمييز العنصري. جذور هذا اللاهوت التاريخيّة تمتدّ إلى تجارة الرق في القرن السادس عشر، ويشتفّ تفكّره ماهيّته من عمل وفكر شخصين محوريّين له هما مارتن لوثر كينغ ومالكولم إكس. جايمس كون هو المنظّر الأساسي لهذا اللاهوت الذي يفهم الإيمان المسيحي على ضوء معانات أحفاد العبيد الذين لم يتحرروا بعد من استعباد البيض لهم. فعلى ضوء السياق المعاش، يؤمن اللاهوت الأسود بالمسيح كمسيح أسود أي مسيح يضطهد كأي أسود مستعبد، والله كإله ذات بشرة سوداء أي إله موجود في خندق السود الذين يعانون من التمييز العنصري واللاعدالة الإجتماعيّة… إله معهم في معركة تحريريهم من العبودية. الله ليس محايداً، ومن الخطأ القول أنّه مع المضطهِد والمضطهَد. فهو حتماً مع المظلوم وضدّ المستبد. واقع الجور هو منطلق أي فهم لحقيقة الله والكتاب المقدّس ورسالة الكنيسة. لهذا اللاهوت امتدادات في عدّة أقطار كأفريقيا الجنوبيّة.

 أهدف من خلال هذان المثلان المقتضبان إعطاء فكرة وجيزة عن منطق اللاهوت السياقي عامة وعن الفرق بينه وبين اللاهوتيّات التقليدية التي نادراً ما تعتبر السياق مصدراً في بنائها. فهي غالبا ما تنطلق من التقليد الكنسي أو من قراءتها التقليديّة والموروثة للكتاب المقدّس، وتتكلّم على هذا الأساس مع السياق من دون أن تكون كلمتها إجابة على هواجس مؤمني السياق وإشكاليّتهم. وتجدر الإشارة أيضا إلى اختلاف المنهج. فمنهج اللاهوت السياقي يختلف عن منهج اللاهوتيات التقليدية في علاقته مع العلوم الأخرى. العلم الذي تحاور معه اللاهوت تقليديّا هو الفلسفة. أمّا اللاهوت السياقي، فهو يحاور العلوم الإنسانيّة كعلم الإجتماع، علم النفس أو علم الإقتصاد… ولا يتردد في استعمال منهج هذا العلم أو ذاك من أجل الإتيان بالتفكّر الملائم للواقع. هكذا استعمل لاهوت التحرير في أميركا اللاتينية منهجيّة التحليل الماركسي للمجتمع من دون أن يتبنّى الحلول أو الأيديولوجيا الماركسية. وأمّا تعدّديّة لاهوت السياق، فهي تحتّم تعددية في المناهج. فليس هناك طريقة واحدة لصنع اللاهوت السياقي بل هناك لاهوتيات سياقيّة. المنهج اللاهوتي السياقي الأنسب هو المنهج الأكثر ملاءمة في منطقه مع السياق ومتطلّباته. الثابت في اللاهوت السياقي هو حداثة منهجيّته التي تتمايز عن المنهجيّات التقليدية، وعلاقته بالسياق كمصدر أساسي للعمل اللاهوتي. أمّا نماذج اللاهوت السياقي، فهي متنوّهة مع تنوّع السياق وتبدّله.

 اللاهوت السياقي يفرض تحوّلا جذريّا في التفكّر اللاهوتي، يقيم مسافة نقديّة بينه وبين اللاهوت التقليدي، ينكبّ محلّلا السياق بكل أبعاده ويتجنّب الغيبيّات وكل منطق يبعده عن العالم. حتى ولو كان البعد الأخروي (الإسكاتولوجي) يجعل آفاق المؤمن تتخطّى هذا العالم نحو موطنه الحقيقي حيث ملك الله الأزلي، فإنّ المؤمن يبقى من هذا العالم، ويبقى هذا العالم مسؤوليّته. ومن هذا المنطلق، على علم اللاهوت، بما أنّه محوري لحياة الكنيسة، اعتبار العالم كأحد المنطلقات الأساسية لعمله. تتنافى هذه المنهجيّة اللاهوتيّة الجديدة مع لاهوتيّات تقليديّة شائعة في الشرق، عميقة في فكرها الروحي والصوفي والتقوي، ثابتة في طلبها الطاعة للرؤساء الروحيين، ومتنزّهة عن أمور الدنيا وكأنّ حياة المدينة ليست من مسؤوليّة المؤمن، ولكأن الخطيئة أفسدت كل الخليقة وانتصرت على النعمة الأولى وعلى بذور الكلمة الكامنة في الوجود، كل الوجود.

 إن لم يكن اللاهوت العربي الحديث متجدّدا وسياقيّا، فما هو إلّا تكرار ببغائي لما هو قديم وغير ملائم لوجوديّة الإنسان التاريخيّة، التي تجعل من الكائن البشري مخلوقاً أبدا جديدا ومتجدّداً. ولكن التجدّد، على رغم كل المسافات النقديّة التي يضع بينه وبين القديم، لا يتضاضد مع ما سبقه من تفكّر لاهوتي. فلولا القديم لما كان الجديد. ولكن التجديد يفرض نوعا من التخلّي الإيجابي عن القديم أي الإتيان بمنهجيّة عمل جديدة وبنظرة للأمور جديدة لا تخلو من الإستيحاء من الماضي والتعلّم منه أحياناً.

 ماهيّة تجديد واصلاح اللاهوت العربي تكمن في فهمه كلاهوت سياقي. فمن دون الإنفتاح على السياق الحالي المعاش ومن دون اعتباره مصدراً أوّليّا لعلم اللاهوت، يبقى اللاهوت العربي لاهوتا غيبيّا غير ملائم لإشكاليّات الوجود المسيحي الحر والفاعل في الشرق، وشاهداً على اضمحلال الشهادة المسيحيّة الإيمانيّة والحضاريّة، وهو مسؤول جزئيّا عن هذا الإضمحلال بعدم تجديد بنيته. لربّما كنت أول من يتكلّم بهذا الوضوح عن اللاهوت العربي الحديث كلاهوت سياقي يندرج ضمن إطار تيّارات لاهوتية سياقيّة. ولكن العمل اللاهوتي العربي السياقي، وإن لم يكنّ بهذه الكنية، له سوابق عند الكثير من اللاهوتيين العرب وله في الوقت الحاضر بعض المفكّرين الجديرين بالثقة. أذكر على سبيل المثال جان كوربون ومحاولته السياقيّة الجريئة : “كنيسة العرب”. وميشال الحايك الذي أعطى من خلال فكره العربي السياقي تبريرا لاهوتيا مسيحيا لوجود الإسلام – شريكنا الأساسي في السياق، وعدم اعتباره كخطئ تاريخي أو كدين الخطأ. أنعم الروح على الكنائس العربيّة ببعض المفكرين المستنيرين، يمكن اعتبار أفكارهم كمنطلقات وثوابت لللاهوت العربي الحديث، أذكر منهم على سبيل المثال ولا الحصر يواكيم مبارك، جورج خضر، غريغوار حدّاد، بولس الخوري، عادل تيودور الخوري، جيروم شاهين… ومشير عون الذي يجسّد بكتاباته المعاصرة التوجّه اللاهوتي العربي السياقي، دارجاً إيًاه في منطق تعددي، مسكوني، فلسفي، حواري وسياسي.

 هذه السطور اللاهوتية العربية ما هي الا صرخة امل اضعها بتصرّف القيّمين على العمل اللاهوتي في لبنان وفي الشرق، علّنا ننهض اللاهوت العربي، لاهوت كل الكنائس العربية الغنية جدّا بتراثاتها، من سباتها العميق والعقيم. علنا نساهم كلّنا، بتنوّعنا وبفراداتنا، بنهضة لاهوتيّة عربيّة تحي الانسان وتمجّد الله.

بقلم الدكتور أنطوان فليفل

جريدة النهار15.02.2009

Le problème des prêtres mariés catholiques orientaux en Occident, An-Nahar, 28.12.2008

مأساة الكهنة المتزوجين الشرقيين الكاثوليك في الغرب

 

  توجّه مسيحي لبناني يزور فرنسا الى كنيسة طائفته في باريس للمشاركة في قداس القيامة)سنة 2008)، وكم كانت فرحته كبيرة عندما لمح خلال الاحتفال كاهن رعيته القديم في لبنان قرب المذبح. ولكن شربل كان شديد الارتباك لأن “الأبونا” ما كان يقدّس على المذبح، بل كان موجوداً مع الاولاد الخدّام من دون ارتداء بطرشيله وكأنه ليس بكاهن. تحوّل ارتباكه صدمة بعد القداس عندما أخبره الخوري من بعد الاحتفال أنه لا يحق له ممارسة كهنوته في فرنسا لأنه كاهن متزوج، وهو من أجل ذلك ممنوع عن ممارسة أي سر من اسرار الكنيسة في الغرب. يهدف هذا المقال الى إلقاء الضوء على هذا الواقع المجحف والمهين بحق الكنائس الشرقية الكاثوليكية وبحق كهنتها المتزوجين.

تعود جذور هذه المشكلة الى سبعينات القرن التاسع عشر عندما ترك الكثير من الكارباثيين الروثان أوكرانيا، وهم من الكاثوليك الشرقيين، وهاجروا الى الولايات المتحدة. عندما بدأت هذه الجالية بتنظيم نفسها، أسست رعايا لها ذات طابع شرقي مما اثار امتعاضاً كبيراً وصدمة لدى الكاثوليك اللاتين الاميركان الذين كانوا يجهلون تمام الجهل وجود كهنوت كاثوليكي شرقي متزوج. وتفاقمت المشكلة في أواسط الثمانينات عندما منع كاهن روثاني (جون فولانسكي) من ممارسة الاسرار بحجة أنه كاهن متزوج، وفي بداية التسعينات عندما غادر الأب توث (وهو مكرّم الآن كقديس في الكنيسة الارثوذكسية الاميركية) الكنيسة الكاثوليكية على أثر مشاداته مع أسقف منيابوليس جون ايرلند وانضم ما يناهز الثلاثين الفاً من رعاياه الى الكنيسة الارثوذكسية.

تدخل على أثر كل هذه الاحداث الكرسي الرسولي وباشر باصدار سلسلة من الاجراءات القانونية والرسائل الحبرية ابتداء من عام 1890، حيث قال في رسالة موجهة الى اسقفين معنيين بمسألة الكهنة المتزوجين الكاثوليك الشرقيين أن على هؤلاء ترك الولايات المتحدة والعودة الى بلادهم وأنه يسمح فقط للكهنة المتبتلين الوجود في الولايات المتحدة لخدمة رعاياهم. أعاد الكرسي الرسولي سبب هذا التدبير الى “الفضيحة الكبيرة” التي يسببها وجود الكهنة المتزوجين بين أوساط الكاثوليك الغربيين. وذكّر الكرسي الرسولي في السنة نفسها برسالة مبعوثة الى رئيس اساقفة باريس ان البطريركيّات الشرقية الكاثوليكية لا تتمتع بأية سلطة قانونية على رعاياها، وأن على هذه الرعايا الخضوع لأسقفها اللاتيني المحلي. توالت الرسائل والتدابير البابوية والفاتيكانية على مر السنين مذكرة بالمبادئ نفسها من حيث ادانة أي كهنوت كاثوليكي شرقي متزوج على أرض البطريركية اللاتينية. بلغت هذه الرسائل البابوية ذروتها عام 1929 عندما كتب البابا بيوس الحادي عشر تدبيرين رسوليين “Cum Data Fuerit” و “Qua Sollerti” يعتبران حالياً كمرجع اساسي لهذه المسألة، يمنعان الكهنة الشرقيين الكاثوليك عن ممارسة كهنوتهم في الغرب الا في حالة الترمل وعدم عيش الاولاد في منطقة خدمة ابيهم. يزيد تدبير آخر صادر عام 1930 “Groeci-rutheni ritus” منعا على الاساقفة في الغرب من قبول المرشحين المتزوجين للكهنوت أو من يؤثرون الزواج (على الطالب أن يتعهد عدم الزواج أمام اسقفه). كل هذه التدابير الرومانية أدت الى انشقاق آخر في الكنيسة الشرقية الروثانية وآلت الى ولادة الكنيسة الكاربثو روثانية الارثوذكسية الاميركية عام 1938، المؤلفة من خمسين الف نسمة تحت ادارة الأب اورسة شورنك، والتي ستدخل في شراكة مع بطريركية القسطنطينية المسكونية. جدّد التدبير “Cum Data Fuerit” عام 1939 لمدة عشر سنوات لكنه لم يجدد عام 1949 من البابا بيوس الثاني عشر الذي كان يريد بت هذه المسألة عبر كتابة شرع قانوني خاص بالكنائس الشرقية. ولكن، على رغم صدور هذا الشرع، ما زالت الكنيسة الرومانية تعمل حتى الآن بمقررات .”Cum Data Fuerit”

تغيّر موقف الكنيسة اللاتينية الرسمي من الكهنوت المتزوج مع المجمع الفاتيكاني الثاني اذ اقرت في  “Presbyerorum Ordinis” ان البتولية ليست شرطاً للكهنوت كما تثبته الكنيسة الاولى والكنائس الشرقية، وانها لا تنوي تعديل هذا التقليد على رغم توصيتها بالكهنوت الاعزب. بالروحية نفسها اقر الحق القانوني الشرقي بعراقة التقليد الكهنوتي الشرقي المتزوج واعطى لكل كنيسة بطريركية الحق بتطبيق او بعدم تطبيق هذا التقليد. وأقر البابوان بولس السادس ويوحنّا بولس الثاني أكثر من مرّة بوجود هذا التقليد وبعراقته. ولكن، على رغم كل هذه الايجابيات، بقي الكاهن الكاثوليكي الشرقي المتزوج غير مرغوب به وممنوع اجمالاً من ممارسة كهنوته في الغرب، وكأن هذه المواقف كلام فقط لا يمت الى الواقع المعاش بصلة.

تظهر بعض الوقائع ان الكنيسة اللاتينية تكيل احياناً بمكيالين. ففي الوقت الذي تمنع الكاهن الكاثوليكي الشرقي، ابن الكنيسة الكاثوليكية المتمسك بكرسي بطرس والمترعرع تحت كنف الايمان الكاثوليكي من ممارسة كهنوته في الغرب حتى في رعايا كنيسته وتجاه جالية بلده، فبالامكان ايجاد المئات من الكهنة اللاتين المتزوجين في اميركا وفي اوروبا. تمت اول رسامة حديثة لرجل متزوج في الكنيسة اللاتينية بأذن البابا بيوس الثاني عشر سنة 1951. كان هذا الرجل قسّا لوثرياً اعتنق الكثلكة. وارتسم كهنة، على عهد يوحنا بولس الثاني، المئات من الرجال المتزوجين الآتين الى الكثلكة من الكهنوت الانكليكاني والقسوسية البروتستانتية. كل الكهنة اللاتين المتزوجين لم يأتوا من الإصلاح او من العالم الانكليكاني. فالأسقف فيلكس دافيدك رسم كهنة ما يناهز الثمانين رجلا متزوجاً في تشيكيا الشيوعية، وقد اعترفت السلطات الفاتيكانية بكهنوتهم. هذه الوقائع تؤلم الكهنة الكاثوليك الشرقيين المتزوجين، لأن الذين اتوا الى الكثلكة حديثاً وبشكل اساسي على اثر نشوب توتر مع كنائسهم يحظون بملء المواطنية في الكنيسة الكاثوليكية، واما هم، الكاثوليك منذ اجيال، اباً عن جد، فأنهم يعاملون في الغرب كأهل ذمة.

يعتقد بعض اللاهوتيون كرومان شوليج ان مفاعيل “Cum Data Fuerit” قد زالت بحكم اصدار الحق القانوني الشرقي، ويقول ادوارد فولك الشيء نفسه مستنداً الى واقع بعض الرسامات التي تمت حديثاً في كنائس شرقية كاثوليكية في الولايات المتحدة لرجال متزوجين. ولكن ما هو واقع هذه الرسامات؟ وهل بدأت فعلا الكنيسة الكاثوليكية بالتصرف بشكل مختلف على هذا الصعيد؟ جرت العادة في سبعينات القرن العشرين ان يرسم الرجال المتزوجون كهنة في الشرق، ومن ان يرسلوا بعدها الى بعض بلاد الغرب للاهتمام بابناء جالياتهم. كان ذلك ممكناً عندما كان الاسقف اللاتيني المحلي متسامحاً وغاضاً النظر وعندما كان الكهنة المتزوجون يقومون بخدمتهم بفطنة ومن دون لفت الانظار؛ هذا التدبير كان يعتبر مؤقتاً وغير اعتيادي. ولكن عندما رسم البطريرك مكسيمس الخامس رجلين متزوجين في الولايات المتحدة سنة 1977، تدخل البابا بولس السادس واعتبر رسامتهما غير قانونية. ولكن منذ صدور الحق القانوني للكنائس الشرقية سنة 1990، بدأ بعض الاساقفة الشرقيين في الولايات المتحدة برسامة كهنة متزوجين؛ ولكن لم يتخط الاعتراض الفاتيكاني على هذه الرسامات الكلام المجرد. من احد اسباب عدم تدخل روما القانوني هو تهديد الكثير من الأوكرانيين الكاثوليك الاميركيين بالانتقال الى الكنيسة الارثوذكسية ان منعت الكنيسة الرومانية الرسامة الكهنوتية عن عدد من اكليريكييها المتزوجين. ولكن فلنكن منصفين: مشكلة الكهنة المتزوجين لا تجد حالياً مصدرها فقط في موقف الكنيسة الكاثوليكية. يقول دانيال جريجاسي انه تنقص لمعظم الاساقفة الشرقيين شجاعة التصرف والمطالبة بما هو حق لهم. يعود ذلك بحسبه الى عقدة نقص مستمرة يعيشونها تجاه الكنيسة اللاتينية.

مشكلة هؤلاء الكهنة المتزوجين موجودة هي ذاتها في اوروبا، وان كان بمستطاع الشرقيين الكاثوليك الأميركان القيام ببعض الافعال لمواجهة عدم اعتبار تقليد الكهنوت المتزوج، تواجه الكنائس الشرقية الكاثوليكية في اوروبا صعوبة اكبر على هذا الصعيد بسبب قربها الجغرافي من روما، وصغر جالياتها وانضمام اعداد منها الى الرعايا اللاتينية وبسبب غياب الابرشيات او قلتها. ذكّرت روما سنة 1992 برسالة موجهة الى رئيس اساقفة باريس بوجوب عدم السماح للكهنة الشرقيين الكاثوليك ممارسة كهنوتهم في الغرب باستثناء اذن اعطي لأربعة كهنة كلدان متزوجين هجّروا نهائياً مع ضياعهم من تركيا. هذه التدابير كانت مسؤولة في السنين الماضية عن الكثير من التوتر والألم في بعض الاوساط الكنسية، وما زال الكثير من الكهنة الشرقيين المتزوجين يعانون اشد المعاناة بسبب هذا الاجحاف اللاحق بهم.

كل هذه الوقائع تدفع بنا الى طرح الكثير من الاسئلة نضعها بتصرّف المسؤولين الكنسيين الكاثوليك، الشرقيين والغربيين. 1. الى متى تتصرف الكنائس الشرقية الكاثوليكية بذمية على اكثر من صعيد تجاه الكنيسة اللاتينية؟ 2. اليست السلطات الكنسية الكاثوليكية الشرقية شريكة بفعل صمتها عن مسألة عدم اعطاء الاعتبار لكهنتها المتزوجين في الغرب؟ 3. اي احترام للكنائس الشرقية اذا لم يحترم تقليد من اهم تقاليدها؟ 4. اي مثل تعطيه الكنيسة الكاثوليكية للارثوذكس عندما تدعوهم للوحدة؟ 5. الا يستمد الكاهن المتزوج كهنوته من المسيح؟ وهل كهنوت المسيح محصور بمنطقة جغرافية؟ 6. الم يكن الرسل الاولون والبابوات الاولون والاساقفة الاولون رجالا متزوجين وخير خدّام لجماعاتهم؟

ولعل افضل خلاصة لهذا المقال هو ما قاله المطران كيريلوس بسترس لمجـلة ” Proche Orient Chrétien ”  سنة 1994: “في العقلية الغربية، الشرقيون الكاثوليك هم كاثوليك بدرجة اقل… ويقول اللاتين ان هدف عدم السماح للكهنة المتزوجين الكاثوليك ممارسة كهنوتهم في الغرب يعود الى خوفهم من انتقال عدوى الكهنوت المتزوج الى الكهنة اللاتين. برأيي ان هذه حجة عديمة الأمانة. فان كان التقليد الشرقي الكاثوليكي بأهمية التقليد الغربي، فلا يجب اعتبار العدوى كسوء ولكن كشيء جيد. وان كان يجب على التقاليد المسيحية الاغتناء من بعضها البعض، كما يقول البابا، فلماذا حصر الاغتناء باللاهوت النظري وعدم تطبيقه على الممارسة المسيحية، ممارسة الاسرار والقانون الكنسي”. ولكن، على من تقرأ مزاميرك يا داود؟

بقلم الدكتور أنطوان فليفل

جريدة النهار 28.12.2008

Teaching Lebanese to Francophones and “victims of love”, Daily Star, 12.12.2008

a

Paroles de mon intérieur

كلمات من باطني

paroles interieures

كلماتي ابعثها لك
هذيذ يرنمه قلبي
هيام يقبّله توقي
حنين يلهب احشائي
عشق يلبسه عمري

الحاني ارسمها لك
ترانيمَ ترفعها الطيور
أجاويدَ تعليها النسور
احاديثَ يلفظها الظهور
أقاويلَ تنحتها الصخور

شوق قلبي لك
كالزهر يلبس الحقول
كالكون يبغي الدهور
كالليل غامر النور
كالدجى للحياة عبور

حبّ جسدي لك
انعكاس نور للمساتك
اناء نار لعطاآتك
جنون بركان من حنانك
مسير الدروب بأقدامك

سبيلي اكتبه اليك
رواية موطني بك
حكاية بحثي عنك
صراخ روحي لبيتك
انين طفلي لثديك

الهي الهي اجعلني هيكلك
واولد نفسي من نسيم شفتك
واخلقني ابدا من نبضات ايقاعك
ولتنسني الحياة في راحتك
لأنّك وحدك نصيبي في فسيح احيائك

Antoine Fleyfel
10.12.2008

Perspectives œcuméniques orientales, An-Nahar, 30.11.2008

آفاق مسكونيّة مشرقيّة

محتوى هذه المقالة مشتق من محاضرة ألقيتها في مؤتمر “آيانابا 23 / المسكونيّة… وشهادة الكنسية في العالم العربي” ؛ نظّمه “الإتحاد العالمي المسيحي للطلبة / مكتب الشرق الأوسط” بعين عار –  لبنان، من 15 إلى 20 أيلول 2008. 

 

اللاهوت العربي الحديث، أو يكون لاهوتا مسكونيّا أو لا يكون. هو حتما مسكونيّ لأنّ إرادة السيد هي “أن يكونوا واحدا… حتى يؤمن العالم” (يو 17، 21). فالتوجه اللاهوتي الذي يعكف عن وضع المسكونيّة في محور تفكّره، هو لاهوت يعارض مشيئة الربّ، ويتناقض بذلك مع ماهيّته الذاتيّة. تعليم يسوع الناصري لا يقبل المساومة، فهو قال واضحا: “من ليس معي فهو عليّ، ومن لا يجمع فهو يفرّق” (لو 11، 23). من احد أكبر تحديات اللاهوت العربي الحديث هو المرور من لاهوت طائفي إلى لاهوت مسكوني، من لاهوتيّات خاصة لكنائس تعيش كجزر، إلى لاهوت جامع ومنفتح أشد الإنفتاح، من لاهوت الخوف من الآخر والحذر منه والعداء له، إلى لاهوت الإغتناء من اللآخر والثقة به ومعاملته على أساس الأخوّة، من لاهوت يبحث عمّا يفرّق إلى لاهوت يبحث عمّا يجمع. فلا سلام في الشرق الأوسط من دون المرور بسلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان إن لم تكن الأديان بسلام مع ذاتها، وهنا البعد السياسي للمسكونيّة.

 لن أخوض في مسائل الإنقسامات التاريخيّة في الشرق، فخطوطها العريضة معروفة ومكتوبة في العديد من الكتب التي تعالج هذا الموضوع. لكنني سأطرح مشكلة المسكونيّة انطلاقا من التعدّدية الكنسية التاريخيّة السلبيّة في مشرقنا. فتنوّع التعبير اللاهوتي لم يكن فقط مصدر غنى لللاهوتيّات الشرقيّة، بل أضحى مصدر انقسام حاد وتضادّ وبغض وجرح للكنائس المحليّة إلى حد اندثار بعضها ونزاع بعضها الآخر…  ومشكلة المسكونيّة هي أيضا مشكلة شهادة المسيحيّة المشرقية تجاه المسلمين أبناء سياقهم. فميشال الحايك تكلّم عن مسؤوليّة المسيحيين المشرقيّين أمام الله وأمام التاريخ، مسؤوليّة إيصال المسيح إلى المسلمين. وعندما تكلّم جان كوربون عن كنيسة العرب، قال عنها أنها موجودة من أجل المسلمين العرب. باعتقادي أنّ المسيحيّة المشرقيّة لا تؤدّي حاليّا هذه الشهادة، وأنّ مشكلة مشاكل غياب هذه الشهادة هو انقسام هذه المسيحيّة. فعندما ينظر المسلمون إلى المسيحيين في الشرق، لا يروا أمامهم كنيسة المسيح الواحدة المتنوّعة، بل كنائس مبعثرة… مؤلم هذا الواقع وهو موجود على أرض فيها الكثافة المسكونيّة الأكثر ارتفاعاً في العالم.

 أريد الإشارة قبل المباشرة في التحليل إلى أنّ التوجه المسكوني ليس بطارئ على اللاهوت العربي، فكثير من اللاهوتيين العرب في القرون الوسطى، أي اللاهوتيين المشرقيين الذين كتبوا باللغة العربيّة، أكانوا نساطرة، ملكيّين أو يعاقبة أجمعوا بالقول أنّ ما يميّز المسيحييّن بعضهم عن بعض ليس المحتوى الإيماني، بل طريقة التعبير عنه. ويعتبر سمير خليل أنهم عبّروا بذلك عن محوريّة المسكونيّة كوحدة في الإيمان بالرغم عن تنوّع اللاهوتيّات وتمايزها. وأوعز البعض منهم الإنقسام بين المسيحيين إلى “تورّط الهوى” أو “العصبيّة”، “غمرات الجهل” و”حب التسلّط”.

 العهد الجديد هو منطلق تعدّدية الكنائس. فالقراءة الكتابيّة النقدية تضعنا أمام كنائس مختلفة، أحيانا متخاصمة. ومن الخطأ التكلّم بلاهوت للعهد الجديد، فهناك لاهوتيّات كثيرة ومتعددّة للعهد الجديد. وكل لاهوت يعبّر عن سياق معيّن لجماعة كنسيّة معيّنة عاشت فرادة إيمانها من ضمن معطيات تاريخيّة ودينيّة ووجودية وفلسفيّة وحضاريّة خاصّة بها… ولكنّ هذه الكنائس كلّها، على تنوّعها واختلافها، تؤلّف كنيسة المسيح. فلا أحد يستطيع الإدعاء أنّ كنيسة جماعة إنجيل يوحنّا هي أفضل من كنيسة جماعة إنجيل مرقس، ومن غير الصواب القول أنّ جماعة كنسيّة منتمية لبولس هي أقل قدرا من جماعة كنسيّة منتمية لبطرس، وهلم جرّا… الهرطقة بمعناها الأول (من اليونانيّة αἵρεσις وتعني الإخيار وتفضيل عقيدة على أخرى) تكمن باختيار كتاب واحد من كتب العهد الجديد، ووضع الآخرين جانبا، أي الإقرار بالصوابيّة المطلقة لتنظيم ولاهوت كنسي واحد ونبذ الآخرين أو عدم إعطائهم اعتبارا كاملا. باستطاعتنا التكلّم، من ضمن اشكاليّة مسكونيّة حاليّة، عن ثلاثة أوجه للكنيسة انطلاقا من العهد الجديد. فيمكن اعتبار الكنيسة الكاثولكيّة الرومانيّة ككنيسة تركّز في لاهوتها على شخص بطرس. ويمكن اعتبار الكنائس الأورثوذكسية ككنائس تركّز في لاهوتها على إنجيل يوحنّا. وأمّا كنائس الإصلاح، فيمكن اعتبار لاهوتها كلاهوت يركّز على بولس.

 يتكلّم الاهوتي الألماني هانس كونغ في كتابه عن “لاهوت للألفيّة الثالثة” عن هذه الأوجه الثلاث للكنيسة ويحاول إظهار الأساس اللاهوتي الأهم لكل كنيسة. فلاهوت الإصلاح يرتكز على الكتاب المقدّس الذي يعتبر مرجع كل عمل لاهوتي وكنسي. واللاهوت الأرثوذكسي يرتكز على التقليد الكنسي. أمّا اللاهوت الكاثوليكي فهو يرتكز على أهميّة السلطة الكنسيّة وعلى رأسها أسقف روما. ولكن ما هو أساس الإيمان المسيحي؟ هو ليس بالنسبة لكونغ السلطة الكنسية، هو ليس التقليد وهو ليس الكتاب المقدّس. فعلى البروتسطانتي ألّا يؤمن بالكتاب المقدّس، بل بالذي يشهد له الكتاب المقدّس؛ وعلى الأرثوذكسي أّلا يؤمن بالتقليد بل بالذي ينقله التقليد؛ وعلى المؤمن الكاثوليكي ألّا يؤمن بالسلطة الكنسية بل بالذي تعلنه السلطة الكنسية. المشهود له والمنقول والمعلن هو يسوع المسيح، أساس كل لاهوت ومعياره. عندما تدرك الكنائس أنّ ما يصنع لاهوتها ويكوّنها ليس الغاية بل الوسيلة، أنّ على المسيح أن يظهر وليس الكتاب المقدّس أو السلطة الكنسية أو التقليد، وأنّها أجزاء ووجوه من كنيسة المسيح المتعددة الأوجه منذ بدايتها كما يظهره العهد الجديد، حينئذ يصبح بالإمكان التكلّم فعلاً عن لاهوت مسكوني.

 إنّ ما يقوله كونغ يفتح آفاق عديدة أمام الاهوت العربي الذي يصبو أن يكون لاهوت كل المسيحيين العرب على اختلاف عائلاتهم المسيحيّة. لذلك فهو محكوم بالمسكونيّة إن أراد الحياة، وهو لا يستطيع إعلان صوابيّة عائلة مسيحيّة ونبذ عائلة أخرى. اللاهوت العربي الحديث يتمسّك بمثل التعددية الكنسية الأولى الموجودة في كتب العهد الجديد ويعتبر التعددية الحالية للعائلات المسيحيّة كامتداد لها، كتجليات متنوّعة لكنيسة المسيح الواحدة… إن أرادت الكنائس الشرقيّة الحياة، فعليها أن تخرج من عوالمها الخاصة، القبطيّة والأشوريّة والسريانيّة والبيزنطيّة والمارونيّة والإنجيليّة… أن تحمل إرثها وأن تعيش رسالتها ككنيسة للعرب. اللاهوت العربي الحديث يتعارض مع كل لاهوت كنسي أحادي لا يأخذ بالتعدّدية الكنسيّة، ويبحث جاهدا عن أفضل السبل المؤاتية لتجسيد كل الأوجه الكنسية الممكنة في كنسية العرب. فاللاهوت العربي بحاجة لأوجه السلطة الكنسية والتقليد والكتاب المقدّس.

 ولكن، إن كانت لكنيسة المسيح أوجه عدّة، فأين يمكننا إيجاد كنيسة العرب؟ فالمؤمن ينتمي كفرد إلى كنيسة محلّية واحدة وهو يعجز على الإنتماء إلى الكنائس كافّة. فكيف التوفيق بين الإنتماء الكنسي المحلّي والإنتماء لكنسية المسيح الواحد التي اسمها في الشرق كنيسة العرب؟

 إن كان اللاهوت العربي الحديث لاهوت سياقي يقترح أسلوبا جديدا في المنهجيّة اللاهوتيّة، فبإمكان هذه المنهجيّة فهم سرّ الكنيسة ووحدتها انطلاقا من مبدأ جديد يحاول تخطّي العثرات التي آلت إلى عدم التوصّل إلى شكل من أشكال الوحدة، على رغم كل الجهود المبذولة منذ عشرات السنين. هذه المنهجيّة الجديدة لا تروم تذويب الكنائس أو محو هويّتها، وهي تبغي الحفاظ على كل مقوّمات الكنائس بشكل يخدم الوحدة ويصبو إليها. فعلى اللاهوت المبني على التقليد الكنسي مثلاً أن يكون في خدمة الوحدة وأن يضع جانباً كل ما يشكّل عقبة للوحدة، فخير للإنسان من أن يهلك أحد أعضائه على أن يلقى جسده كلّه في جهنّم (مت 5، 30). اللاهوت العربي الحديث لا يعتبر أيّ تعبير كنسي كتعبير مطلق للكنسية. فكنيسة المسيح الحقيقيّة الواحدة لها تجلّيات عدة ومتنوّعة مع تنوّع السياق واللاهوت. كل عائلة كنسية هي تجلّ لكنيسة المسيح وهي تحوي ملئ الكنسية بقدر ما تكون شهادتها للمعلّم أصيلة. بولس وبطرس وبرنابا ويعقوب ويوحنّا كانوا بتمايزهم يؤلّفون الكنيسة الرسوليّة الأولى، هذه الكنيسة التي عاشت توترات كثيرة ومشاكل كثيرة ووجهات نظر مختلفة أحيانا أشد الإختلاف. وبقيت مع ذلك كنيسة المسيح الواحدة التي يكلّمنا عنها العهد الجديد. من المضاد للعقل القبول بهذه الكنسية الأولى المتنوعة جدّا، ورفض عيش هذه الوحدة في أوقاتنا الحاضرة، على مثال الجماعات المسيحيّة الأولى. فلا يمكن للكنيسة الكاثولكيّة أن تكون كنيسة المسيح الحقيقية لوحدها، ولا يمكن للكنائس الأرثوذكسية أن تكون الإمتداد الأصيل الوحيد للكنائس الأولى، ومن غير المستطاع اعتبار كنائس الإصلاح كالكنائس الوحيدة التي تحيا الروح الكنسية الكتابيّة. إن كانت الهرطقة الكتابيّة تكمن في اختيار كتاب ورذل آخر، فالهرطقة الكنسيّة تعني في هذا السياق اعتماد تجل واحد لكنيسة المسيح ونبذ الآخرين.

 كل كنيسة محلّية أو بطريركية أو وطنيّة هي تجلّ لكنيسة المسيح. فبإمكان مؤمن أي كنسية إيجاد كامل كنيسة يسوع المسيح في كنيسته. كل كنيسة هي تعبير فريد بذاته عن كنيسة المسيح التي تتخطّى بكلّيتها كل الكنائس. فبقدر ما تجسّد كل كنيسة كنيسة المسيح، بقدر ما يستحيل عليها الإدّعاء أنها وحدها كنيسة المسيح. إن أراد مسيحيّو الشرق العربي الوحدة، فعليهم فهم هوية كنائسهم انطلاقا من هذا المبدأ. فالمطلوب هو الإتّحاد سويّة بالمسيح ولا الأتّحاد بالكنيسة الرومانيّة الكاثولكيّة والإنصياع لعصمة البابا. والمطلوب هو الإنضمام سويّة إلى جسد المسيح السري ولا الدخول إلى شراكات كنسيّة أرثوذكسيّة مبنيّة على تعابير إيمانيّة صاغها البشر. والمطلوب حتما هو الإصغاء سويّة إلى كلمة الله، كل بحسب ما أعطي له من فرادة للسماع والفهم والتعبير، ولا التخلّي عن غنى القراءات المختلفة للكتاب المقدس وفهمه فقط بحسب مبادئ الإصلاح. كنيسة المسيح موجودة في كل كنيسة محلّية ولكن السر المسيحاني يتخطّى مجموع الكنائس، فهي حتى لو جمعت كلها، لا تقدر أن تجسّد مطلقيّة كنيسة المسيح التي لا تجد ملؤها إلا في سر الإله المطلق واللامحدود. انطلاقا من هذا المبدأ، يمكن القول أن كل كنيسة تعيش توتّرا يوّلده تجسيدها لكنيسة المسيح من ناحية وعدم قدرتها أن تكون مطلقيّة كنيسة المسيح من ناحية أخرى. أمّا هذه الأخيرة، فهي موجودة في تنوّع الكنائس وحركتها، وتوترها، وعلاقاتها بعضها ببعض وعمل المسيح بها كالمصدر الجوهري لوحدتها. فدينامية كنسية المسيح مصدرها كل الكنائس على تعدديتها وبتوتّراتها وبفراداتها وبعلاقاتها بعضها ببعض انطلاقا من مصدر وحدتها الذي هو المسيح. وأي كنيسة تحاول التفرّد بكنائسيتها عبر إلغاء فرادة كنسية أخرى تسيء إلى كنيسة المسيح لأنها تقتل ديناميّتها عبر إلغاء التوتر والتعددية والحركة.

 مشكلة المسكونيّة الحاليّة تكمن في طريقة فهم الوحدة. فأسوأها موجودة عند بعض الكنائس التي تعتقد أنّ الوحدة تختصر على انضمام كنيسة إلى أخرى، تعتبر نفسها كنسية المسيح الحقيقيّة الوحيدة. فلينجّي الله اللاهوت العربي الحديث من هكذا ظلاميّة. أمّا المنهجيّة المتّبعة حاليّا في كنائس الشرق الأوسط والتي تقتصر على بعض الأخصّائيّين والمسؤولين الكنسيّين، هذه المنهجيّة التي لا تمسّ حياة الكنائس، والتي لا تخلو أحيانا من الفولكلور، فهي ترمي بشكل أساسي إلى إيجاد نقاط مشتركة في التعبير الإيماني، علّ هذا التعبير يألو إلى اتفاق على الشكل والمفاهيم واللاهوتيّات، اتّفاق قد يؤّدي إلى وحدة. لا شك أنّ لهذا الحوار إيجابيّات، لأنّ الحوار بحدّ ذاته خطوة إيجابيّة، ولأنّ ممثلي الكنائس يحاولون عند لقاءاتهم إيجاد حلول لمشاكل يواجهها أبناء الشرق… ولكنّني أعتقد أنّ وحدة الكنائس لن تتمّ طالما أنها مبنيّة على البحث عن وحدة في التعبير عن الإيمان أو في النظرة إليه، بالأخص أنّ أساس إيمان كل المسيحيين مشترك، وهو يسوع المسيح ابن الله المخلّص. نبحث عن وحدة شكل الإيمان وكأنه الإيمان بذاته. الوحدة ليست بالشكل لكنّها بالمضمون. لا أتخيّل الله يسألني يوم الدينونة عن اعتقادي بعصمة أسقف روما، عن ولائي للتقليد المقدس أو لحرفية الليتورجيّا، أو حتى عن أمانتي للكتاب المقدس كمصدر وحيد للإيمان واللاهوت والحياة المسيحيّة. الآب سيسأل حتما المؤمنين باسم مسيحه عن مدى حبّهم لله وعن مدى حبّهم لقريبهم. عند غروب هذا العالم، سنحاكم على الحب يقول يوحنّا الصليب. لا أدري ما قيمة المفاهيم اللاهوتيّة في عين الله، ولكنني متأكد أنه يدعوني لتجسيد الحب والسلام والمصالحة… والوحدة.

 أقترح مسيرة مسكونيّة تسير باتجاه معاكس للإتّجاه الحالي. فبدل أن تذهب الكنائس كلّها نحو الوحدة، فلتنطلق من الوحدة الموجودة أساسا في المسيح. ألسنا كلّنا كمسيحيّين واحداً به؟ الوحدة بالمسيح واقع حقيقي لأنّ السيّد صلى للوحدة وصلاته حتما مستجابة من الآب. بدل أن نبحث عن سبل الوحدة عبر اتساق (uniformité) في التعبيرالإيماني وفي طريقة عيشه، فلنبحث عن بعضنا البعض انطلاقا من وحدتنا بالمسيح، فلنفرح باكتشافنا لإخوتنا في الإيمان، ولنغتن من تنوّع  طرق عيش سرّ الله، ولنغتبط من تعدديتنا التي مصدرها الله الواحد، المتعدد في ثالوثيّته. فبدل العكوف عن تناول جسد الرب عند من نعتبرهم خارج شركة الإيمان، فلتناول جسد الرب في كل الكنائس – عن استحقاق أكيد وباحترام، لكي نثبت أنّنا، على رغم تنوّعنا وتعدّدنا واختلافنا، واحد لأن المسيح مصدر وحدتنا. فلنصلّي أكثر مع بعضنا البعض ولنتخطّى فولكلور أسبوع الوحدة الذي يرغمنا على التفكير بالوحدة لأسبوع واحد في السنة فقط، في الوقت الذي لا يجب أن يهدأ بالنا طالما أنّ وحدة كنيستنا المفقودة تجرح شهادتنا. فيا ربّ، وحّدنا دوماً بروحك، لنعمل مشيئتك !

بقلم الدكتور أنطوان فليفل

جريدة النهار 30.11.2008

Le Christ des Arabes (2), le fils de l’homme, An-Nahar, 12.10.2008

مسيح العرب (2)

إبن الإنسان   

بعدما تكلّمنا عن القرائن التي توجب التكلّم عن مسيح العرب أو المسيح العربي (النهار 13.07.2008)، نبرز في هذا المقال مفهوم اللاهوت العربي الحديث لوجه السيّد الإنساني، وقد حجبته الكثير من لاهوتيّات الكنائس الشرقيّة التي تفضّل غالباً التكلّم بالروحيّات فقط، ممّا يجعل تفكّرها الإيماني ما ورائيا ومتنزّها أحيانا عن الواقع التاريخي والسياقي. فمواجهة الواقع التاريخي القاسي والمعقّد بواسطة الحقائق الصوفيّة والعقائديّة والكنسية فقط، يؤدّي إلى شرخ عظيم بين عالم الإيمان وعالم الواقع الإجتماعي والسياسي والإقتصادي المعاش، ولا يعطي المسيحي المشرقي مقوّمات فعّالة لحضوره ووجوده وشهادته. المسيحيّة التي تتلخّص فقط بالتبعيّة لرجال الدين، بالتقيّد بالإحتفالات الليتورجيّة وبقراءة عاطفيّة للكتاب المقدّس تبتعد عن قضيّة يسوع الناصري، قضيّة ملكوت الله الذي يفهمنا، على ضوء التجسّد والقيامة، محوريّة الإنسان بكل ما يحوي من أبعاد وجوديّة.

 لا يستطيع هذا المقال المقتضب معالجة كل الأبعاد الإنسانيّة والسياسيّة والإجتماعيّة لرسالة الناصري، لكنّني سأحاول التطرّق إلى بعض النقاط الأساسيّة التي تلقي الضوء على الوجه الإنساني للمسيح العربي، وهو لا يقلّ قدرا عن وجهه الإلهي – ذاك الذي لم يُعرف إلّا من خلال إنسانيّته.

 انتمى يسوع إلى الطبقة الاجتماعيّة العاملة. هو لم يكن من وجهاء المجتمع الإقتصاديّين أو السياسيين أو رجال الدين، ولكنّه كان من عامة الشعب، من طبقة العاملين : فهو كان نجّاراً (متى 13/55). مفاهيم كثيرة تبعدنا عن هذا الإنسان العامل وتضعنا أمام مسيح متعال، صعب الإدراك، بعيد عن واقع المجتمع، كائن روحي لا يدرك إلّا من خلال عالم الروح (الصلاة والفروض الإلهيّة والتقويّات…). مسيح العرب ليس ببعيد عن واقع الشعوب العربيّة العاملة، وقد أثقل كاهلها الجور الإقتصادي. هو واحد من هؤلاء العاملين الذين يستيقظون باكرا، باحثين عن لقمة عيشهم، ناحتين راحتيهم بصعوبات الحياة. الناصري الذي عاش في بيئة احتلال وظلم اقتصادي موجود كل يوم في صلب معانات الإنسان العربي القلق على مستقبل أولاده، الكادح تحة نير رأسماليّة رعناء تمتصّ عطاء الإنسان حتّى قتله. مسيح العرب انسان عامل، معالمه غطّاها التراب، ويداه لطّخها السواد… ألم ترو عيسى في ضحى البارحة يخرج من منزله حاملا عتاده، طاردا نعاسه وآمرا رجليه إلى حيث مقتنى الحياة ؟

 الناصري انسان مهجّر وشبه متشرّد، ليس له حجر يضع رأسه عليه (متى 8/20). هو ليس كما يظنّ البعض، هذا الإله القابع في عمارات من حجر أو من رخام… لكّنه الإنسان المهجّر من موطن جعله الآخرين عنه غريباً، المطرود من بلدته والمحسوب غير متّزن من ذويه (مرقس 3/20-21). مسيح العرب هو صورة الملايين من أبناء شرقنا المتألّم، وقد هجّروا من أرضهم ولم يبقى لهم وسادة يضعون عليها رأسهم. هو متشرّد يتوسّل على أبواب السفارات تأشيرة ليرحل من جحيم يحرق جسده إلى آخر يغرّب روحه. ألم ترو الناصري على التلفاز، وهو واضب ما تبقّى من أمتعته قرب منزله المدمّر ؟

 رسالة السيّد تزعج سلاطين هذا الدهر، لذلك تعقّبه هيرودس ليقتله (متى 2/13). فالباطل لا يحتمل الحق والظلمة تخشى النور. مسيح العرب يتعقّبه الكثير من سلاطين هذا الشرق لأنّ الحق الذي يتكلّم به، حق الإنسان وحق الله، يدين سلطويّتهم ولا يقبل كذبهم ونفاقهم. لذلك يلاحقونه ويقتلونه… وكم مرّة طعن المسيح في الشرق وقتل كأحد أبنائه من قبل سياسيّين خافوا كلمة حق، وأبوا استقامة حياة الإنسان الكريمة. ألم تروا صوره في الجرائد وقد اغتيل غدراً تحت غياهب الظلام ؟

 يسوع المسيح مفترى عليه أمام المحكمة (لوقا 23/1-8)، معذّب من قبل الشرطة (متّى 27/26) ومعامل معاملة المجرمين (لوقا 23/39). مسيح العرب ليس برمز ديني يصلح لكل مكوّنات المجتمع الشرقي، لأنه لا يقدر أن يكون مع الظالم والمظلوم في آن واحد، وهو البار الذي عانى أقصى درجات الظلم. مسيح العرب ما زال يُفترى عليه كل يوم أمام محاكم كثيرة في كل أقطار الشرق… مسيح العرب ما زال يُعذّب كل يوم ويهان، خلافا لكل الشرعات الدينيّة وخلافاً لشرعة حقوق الإنسان. ألم يحاكم حبيباً لكم ظلماً، وألم يسجن ويعذّب ابن حارتكم البريء في قطر بعيد عن أعينكم ؟

 مسيح الله ضحيّة تعصّب الكهنة والنفاق السياسي (متى 27/11-23). هو ليس بغريب البتة عن حياة المجتمع السياسيّة والدينيّة. فرجال وعلماء الدين يرذلونه لأنّه لا يؤمن بإله مسكنه حجر أو معدن وكلامه ورق وقوانين وشعائر… لكنّ الهه حي، محيّاه قلب الإنسان، ونطقه حياة لعاملي مشيئته. مسيح العرب يُدين بحياته وتعاليمه نفاق رجال السياسة، وهو لم يتردّد بنعة هيرودس ثعلباً. هو غير مستقيل من الشأن السياسي لأنّ رسالته الإلهيّة تحتّم عليه النطق بالحق أينما وجد. قد سمعتم حتماّ عنه في مدينتكم، وقد كفّره وأعلنه هرطوقيّا رجالاً قالوا أنّهم يتكلّمون تارّة باسم الله وتارّة باسم الشعب.

 مسيح العرب يتقاسم مصائب العرب ويتألّم معهم. هو ليس بغريب عن السياق ولكنّه منه وفيه ولأجله. فهو ككلّ ابن لهذا الشرق جاع وعطش ووجد نفسه عريانا ومريضا، من دون مأوى، وسجين سلاسل القوانين الإجتماعيّة الجائرة (متى 25/31-46). اللاهوت العربي الحديث لا يتوهّم عندما يفهم شخص السيّد على هذا النحو، لأنّ الأناجيل تكلّمنا عنه بشكل واضح ولأنّ المؤمن العربي لا يمكنه الإيمان إلّا بإله معه.

 هذه المعطيات الكتابيّة التاريخيّة التي تفصح عن قضيّة يسوع ابن الإنسان، هي في صلب التفكّر اللاهوتي العربي السياقي، لأن قضيّة الناصري هي قضيّة كل انسان عربي عاش على أرض هذا الشرق، ولذلك أسمّيه المسيح العربي. فشرقنا أيضاً عطشان وجائع وعريان ومريض وسجين ومصلوب، يرزح تحت نير محاكمات واحتلالات واستبدادت شتّى… يسوع المسيح ليس بغريب عن هذا الواقع، بل هذا الواقع هو واقعه. فبناء على ذلك، يصبح مفهوم مسيح العرب مفهوما محوريّا لللاهوت العربي لأنّ قضايا مؤمني السياق الشرقي تضحي هي نفسها قضيّة يسوع الناصري. شخص المخلّص هو قوّة لمجابهة إشكاليّات العالم الحاضر، لا كحلّ روحي تقليدي متنزّه عن معترك الحياة، ولكن كبرنامج عمل، كقضيّة تمسّ كل انسان في الشرق من دون تمييز، قضيّة الإنسان وتحريره، ليس فقط من الموت والخطيئة، بل أيضاً من الظلم الإقتصادي والسياسي والإجتماعي. فمسيح العرب يحرر كليّة الإنسان وهو للمؤمن القوّة التي تنتصر على كل ما يحول دون تحقيق الذات الإنسانيّة.

بقلم الدكتور أنطوان فليفل

جريدة النهار 12.10.2008

J’ai fait un rêve aussi

En hommage à Martin Luther King

mlk

La vie de l’homme est composée de moments de décisions et de beauté, de pensées et d’actions…

Des moments qui se rencontrent à la nuit de l’être, et qui contemplent l’existence en dansant, au rythme des astres qui extasient l’étant par l’éclair de leurs lumières…

La vie de l’homme est faite de songes qui se réveillent, lorsqu’ils trouvent dans le jour un réceptacle à leur devenir…

Dans les ténèbres de la souffrance, à la source de jouvence de l’univers, j’ai fait un rêve.

J’ai rêvé des chrétiens, de toutes familles confondues, rassemblés au sortir des plaies d’amour du nazaréen, adorant Dieu d’une seule voix, rejetant les divisions qui les ont séparés et les croyances humaines qui leur ont tellement nui, détruisant leurs mauvaises symphonies cacophoniques, et chantant avec beauté la Source de la vie.

J’ai rêvé de toutes les religions, rassemblées au Temple de la vérité : musulmans, chrétiens, juifs, bouddhistes, hindous… Main dans la main, en train d’adorer le Principe de la Vie et le Chemin du Salut, tantôt en le nommant Dieu, tantôt en l’appelant d’une diversité de noms variés comme les formes de l’existence.

J’ai  rêvé de tous les humains, croyants, athées, agnostiques, indifférents… se balader au jardin de la rencontre, causant de la richesse du mystère, tentant de marcher vers l’incompréhensible, tâtant l’inconnaissable… rencontrant tout « autre » sans qui le « soi » serait incapable de frayer les chemins de sa réalisation.

J’ai rêvé des races se rejoignant au dessus de l’ignorance de certains, formant un arc-en-ciel dans le ciel de l’humanité et la rendant jolie, comme la figure de la nature qu’elles manifestent ainsi, en vérité.

J’ai rêvé d’un monde où la distinction n’est ni dans l’argent, ni dans la classe, ni dans le sexe. Un monde de diversité où l’on se reconnaît par ce qu’on est, et non par ce que qu’on a… par notre puissance d’aimer et de pardonner… par notre capacité de nous enrichir par ce qui est différent. Un monde où l’on n’impose qu’à soi, un devenir meilleur.

J’ai rêvé qu’un jour, mon rêve rencontrera les autres rêves qui le cherchent, et qu’il rejoindra les songes pour qui il existe…

Un monde meilleur existe probablement… il est rêvé, il faut le réveiller !

 

Antoine Fleyfel

08.10.2008

Marcelle

مارسيل

marcelle

شجرٌ وشمسٌ ونبع ماء
حياةٌ دفئٌ وروض عطاء

يا له وجود اخضوضر وضاء
وجاد بنسمة تروم السماء

عمر النور مسيرٌ وضّاء
ينحت لبّ قلب المسحاء

ينضح ككثرة نجوم السماء
ويعطي حلول الأيس كساء

لعُمري بعثُ ولوجي جاء
ألِفٌ لنفسي ولروحي ياء

إبريزي أنتِ ونعم الجلاء
الخضار والضياء والهباء

سواك ما لقلبي داء
يا مرسالاً من الله فدّاء

Antoine Fleyfel
27.07.2008

La “guerre” et son dénouement d’après la poésie de Mansour Labaky*, L’Orient Le Jour, 12.06.2008

mansour labay

Il est presque impossible qu’un Libanais chrétien – toutes confessions confondues – ne connaisse pas les chants du Père Mansour Labaky. La raison n’en est pas seulement la simplicité et la beauté pénétrante de la mélodie, mais aussi les thèmes qui y sont abordés. Ces chants ont pris leur essor à l’aube de la guerre libanaise (1975), lorsque Abouna[1]Mansour y a exprimé la situation de désastre que vivaient les Libanais. Et ainsi, tout un chacun s’est retrouvé dans ces thèmes qui abordent l’enfance, l’amour de Dieu, la joie, le pardon… et la guerre.

En 2008, le Liban souffre toujours, « nos visages sont tristes », « l’amour a disparu », « la haine se fait un nid dans nos poitrines » et l’immigration se constitue en identité nationale. Si la situation économique y est pour beaucoup, c’est la guerre qui a « visité notre terre » qui est la source de tous les maux. Ces quelques lignes voudraient essayer d’éclairer le thème de la « guerre » et de son dénouement à partir de quelques-uns des poèmes de Mansour Labaky[2].

 Le thème de la « guerre » s’inscrit chez Abouna Mansour dans un cadre nostalgique qui a comme horizon l’espérance en Dieu qui donne la paix. C’est à travers la nostalgie des temps heureux désormais révolus qu’est perçu le mal opéré par la guerre qui instaure un ordre différent, celui du « tombeau de l’enfance, de la tromperie et du cœur qui est dépendant de la laideur ».

Cette nostalgie se constitue en un chant cosmique à l’échelle du Liban, car ce n’est pas seulement l’homme qui souffre, mais toute la nature avec lui. La guerre dévaste les gens du Liban et sa terre. La demande du retour aux temps de la paix s’effectue au nom des « orphelins », des « martyrs », de « ceux qui pleurent », et aussi au nom des « vallées », des « oiseaux » et des « fleurs des champs ». C’est une nostalgie d’un ancien paradis qui n’est pas sans frôler la pensée de Saint Ephrem sur le Paradis : « Rends-nous l’amour et le bien dans une terre qui était pour tes parents une patrie. Rends-nous nos poèmes, toi notre espérance, le Dieu de l’impossible. Nous marchons vers toi, vas-y, complète notre chemin ».

Ainsi, la guerre n’est pas une constituante du Liban qui est à la base une terre de paix, c’est une entité étrangère qui « le visite » et qui « chasse la paix ». Ses effets sont dévastateurs, elle crée des « théâtres de la peur », des « paysage de destruction », « la sécheresse ». La souffrance qu’elle inflige touche l’homme et la terre du Liban : « Nous avons oublié l’odeur des fleurs, et le plaisir d’être dans les jardins, nos crayons se sont transformés en fusils, et nos maisons sont devenues des tranchées ». La responsabilité de cette guerre incombe aussi aux Libanais : « nous avons brûlé le blé de nos plaines, et nous avons semé à leur place des bombes, nous avons tué dans nos esprit l’enfance, et l’ombre de l’horreur a pénétré nos maisons ».

L’effet le plus dévastateur de la guerre est celui de l’absence du Seigneur qui a été chassé du Liban. Le Père Labaky crie vers lui en lui demandant : « au Liban reviens Seigneur, reviens ». Cette demande est effectuée au nom de la « mère qui pleure ses enfants morts durant la guerre », au nom des « déportés », au nom des « orphelins », du « martyr », de la « fontaine » et de « l’arbre ».

Mais malgré le « crime qui a remplacé la sérénité », le dernier mot n’est pas à la guerre, mais à la foi et à l’espérance qui sont la réponse au mal meurtrier. Malgré « les horreurs de la guerre », « mon chemin est vers toi ». Par la puissance de la foi, le « Liban bâtit la paix », comme si elle est déjà là, comme si la guerre est vaincue. La foi « fermera les théâtres de la peur », « effacera les ruines et la douleur», « dans les yeux mettra reflet de ciel » et « donnera au désert flocons de miel ». La foi est libératrice de la guerre, c’est à son niveau que réside le salut du Liban. Elle libère la nature qui « célébrera la saison des blés », « la pensée qui ne sera plus otage », « le rêve dont nous remplirons nos pages » et « de l’exil fait revenir l’amour » ; par la foi « la paix devient notre horizon » et « la nuit s’ouvre sur un matin».

C’est au niveau de l’Incarnation que Abouna Mansour situe la culmination de l’éradication de la guerre. Si ce pôle sotériologique l’inspire plutôt qu’un autre, ceci est certainement dû à l’expérience radicale de l’enfance qu’il a faite durant sa vie. Durant la nuit de Noël, « la haine s’enfuit» et « la paix est semée », « la terre fleurit » et « la joie est glanée ». Et même si les chrétiens orientaux chantent plutôt ce chant durant la fête de la Nativité ou, au plus, durant la période de l’Avent, Noël ne se limite pas pour le Père Labaky au 25 décembre. Noël est un état qui peut être vécu dans diverses circonstances, toute l’année durant. Celles-ci peuvent être résumées en trois catégories d’attitudes : la première attitude consiste en « l’amour du prochain » à qui on « donne à boire », qu’on « vêtit », de qui on « «sèche les larmes » et à qui on « transmet l’espérance ». La deuxième catégorie touche la vie intérieure de chacun qui devrait « aller vers l’autre sans tromperie », « sans sentiment de vengeance », qui « trouvera la froideur disparue de son cœur » et qui « trouvera son âme fondue en Dieu ». La troisième catégorie est religieuse, elle consiste en un « recueillement devant la crèche », une « prosternation sans rébellion », « une paix au sortir de mes mains », et en « une vie de Son Esprit pour toujours ».

Le Liban souffre de la souffrance de l’Orient. Mais malgré l’injustice et tout le mal qui se manifeste à travers l’aliénation économique de l’homme, l’ébranlement de ses attaches patriotiques par l’immigration et sa destruction par la guerre, malgré tout le sombre paysage qui règne, les chants de Mansour Labaky invitent à la foi en l’impossible, à la foi en l’amour qui est plus fort que la haine, à l’espérance qui est plus grande que la destruction, à la vie qui est plus forte que la mort. Dieu, libère, la foi libère. Ah si les témoins de Dieu étaient plus nombreux, afin que par le don de leurs vies, le Seigneur effectue une libération radicale du Liban, libération qui n’est pas seulement pardon des péchés et eschatologie, mais aussi droiture sociale et politique,  justice pour les pauvres et pour les malheureux. Oh Seigneur, « comme la pluie, que la paix pleuve sur nous, sur notre pays ».

Dr Antoine Fleyfel

12.06.2008

 


* Prêtre maronite, poète, compositeur et écrivain. Dès 1977, le Père Mansour Labaky prend en charge des orphelins de guerre, provenant des quatre coins du Liban.

[1] « Père » en dialecte libanais

[2] Cette étude s’appuie sur 7 chants composés et rédigés par Père Mansour : « Al Harbu Zarat », « Amantu », « Ilahi Ilahi », « Tuqfalu Masarihul Junun », « Kirmalin Nab’a », « Laylatal Milad » et « Ya Rabbass Salami ». Ceux-ci se trouvent dans : P. Mansour LABAKY, Cantate Domino, Psaume et chants spirituels (en arabe), Mansourieh, éditions Lo Tedhal.

Eléments de structure pour une théologie arabe populaire, An-Nahar, 04.05.2008

مقوّمات لاهوتية عربيّة شعبيّة

 

 يندرج هذا المقال في إطار المقال المعنون “من أجل لاهوت عربي معاصر” الصادر بتاريخ 16 آذار 2008، والذي كان يهدف إلى القول إنَ اللاهوت ليس بعلم خاصَ بفئة من الناس وإنّ على كل مؤمن عربي الإسهام في بناء لاهوتيّ له تبعات سياقيّة ومحلّية شتّى. كيف يمكن المؤمن الإسهام في بناء لاهوتي عربيّ حديث؟

 كثُرت التعريفات عن علم اللاهوت: فمنها الأثيري ومنها التقليدي ومنها السياسي ومنها الكنسي ومنها الوجودي… فهذا المذهب اللاهوتي الذي يتكلّم عن الله بلغة تنّزهه عن الواقع التاريخي، وذاك المفهوم اللاهوتي الملتصق بتفكّره بحيثيّات الواقع التاريخي الوجودي المباشر… ناهيكم عن اللاهوتيّات المترجمة والمستنسخة والتي لا تمسّ الإطار المرام إلا بتغرّب مؤلم عن ذاتيته الحضاريّة. لا مجال لنا هنا للغوص بهذه التفاصيل بل إننا سنحاول تحديد هذا العلم انطلاقاً من أبحاثنا الشخصيّة الملتصقة جذريّاً بهمّ تجديد اللاهوت العربي بشكل يسهم في تحديث الفكر العربي  كمرتكز لنهضة جديدة في مشرقنا.

 اللاهوت هو كلام في الله يصبو إلى التعبير بلغة واضحة ومبينة ومنطقيّة عن الخبرة الإيمانيّة بشكل يخاطب الانسان في واقعه التاريخي المباشر، يجيب عن تساؤلاته الوجوديّة الأساسيّة، ويساهم في تفكّراته الدينيّة والاجتماعيّة والسياسيّة. يرتكز هذا العلم بشكل أساسيّ على الكتاب المقدّس، على التقاليد الكنسيّة المختلفة، على أبحاث اللاهوتيّين وفي غالب الأحيان على تعاليم السلطات الكنسيّة المختصّةً. وباستنادنا إلى اللاهوتي كلودوفيس بوف (Clodovis Boff) ، يمكننا القول بتجلّيات ثلاثة أساسيّة لعلم اللاهوت: اللاهوت الجامعي وهو يعني الأخصّائيّين المتبحّرين بالأبحاث الطويلة الأمد والمعقّدة؛ اللاهوت الكنسي وهو يعني السلطات الدينيّة التعليميّة؛ واللاهوت الشعبي وهو يخص كل مؤمن غير متخصّص باللاهوت وغير إكليريكي إجمالاً. لا يمكن اللاهوت أن يكون عاملاً أساسيّا لبناء إنسانيّ عربيّ حديث إن لم يكن كلامه في الله مرتكزًا على هذه التجلّيات الثلاثة، وكلها أساسيّة ومتعذّرة الإبدال. فلا يمكن اللاهوت الجامعي التكلّم على كلمة الله في التاريخ من دون الاستناد إلى التقاليد الكنسيّة التعليميّة الماضية والحاضرة، ومن دون وضع خبرة المؤمن الإيمانيّة في خضمّ تفكّره وإلا فقد صلته بالواقع. كما لا يمكن اللاهوت الكنسي الإعراض عن الاستناد إلى اللاهوت الجامعي والشعبي وإلا فقد صلته بالتفكّر العلمي النقدي البنّاء وبخبرة المطلق المعاشة. ولا يمكن اللاهوت الشعبي الامتناع عن الاستناد والاستماع بشكل تصحيحي إلى اللاهوت الجامعي وإلى اللاهوت الكنسي وإلا كان مجاوراً للخرافات أو حتّى الهرطقات. علاقة تجلّيات اللاهوت الثلاثة هي علاقة عضوية، جدليّة، أساسيّة وجوهريّة. ساتناول في مقالات أخرى إشكاليّات اللاهوت الجامعي واللاهوت الكنسي الكثيرة ومسؤوليّتهما المباشرة عن الغياب التام لأيّ لاهوت شعبيّ. أمّا هذا الأخير، فما هي مقتضياته وإلامَ  تؤدّي تبعاته؟

 جليّ هو التذكير والإصرار على أنّ اللاهوت الشعبي المرام هو كما تجليّات اللاهوت الأخرى لاهوت عربيّ. أقصد بهذا المبدأ المحوري أنّ هذا اللاهوت يتكلّم اللغة العربية. وهذا الواقع ليس بواقع عرضي أو ثانوي، إذ أن اللغة تحمل في طيّاتها إرثًا حضاريًا ونظرة معيّنة للعالم ومفهومًا محددًا ودقيقًا للعلاقة بالوجود وخبرة  تاريخيّة راسخة في العقل الباطن، ناهيك عن منطق فهم واقع الحياة… أضف إلى ذلك المسألة الأساسيّة الأخرى المتعلّقة بالانتماء إلى محيط عربي له تاريخه وإشكاليّاته ومشاكله وحروبه ونضاله وانتصاراته وفشله واقتصاده وسياسته وإنسانه… فإمّا أن يكون لاهوت المسيحيّين العرب، أي كل مسيحيّي السياق العربي أكانوا من أصل سرياني أو بيزنطي أو أرمني أو أشوري أو لاتيني… إذًا إمّا أن يكون لاهوتهم عربيًا إما ألا يكون إلا تغرّبًا مؤلمًا عن الذات لايدرّ بأيّ منفعة للمؤمن المسيحي العربي، لا بل يساهم في زيادة اضمحلال شهادته الإيمانيّة وإهزال انتمائه إلى محيطه.

 فأوّل مقوّمة للاهوت الشعبي العربي هي اقتناع كل مسيحيّي السياق العربي بعروبتهم التراثية والحضاريّة، هذه العروبة غير المنكمشة على ذاتها، المنفتحة على الخبرات الحضاريّة والثقافيّة المختلفة. فإن شاءت الظروف أن يتقوقع الكثير من المسيحيّين حول قوميّات وهمية، عليهم أن يتذكّروا أنهم كانوا الروّاد في النهضة العربيّة وفي تحديث وإنعاش لغة الضاد. مهما تغيّرت الظروف، وبالرغم من الأفكار المتطرّفة والبائدة، عليهم الاضطلاع مجدّداً بهذا الدور الحضاري الرائد والإسهام بشكل فعّال في بناء مجتمع عربي حديث، فريد في تعدّديته وغنيّ بإسلامه ومسيحيّته وعلمانيّته. فبئس تغرّب يبعد الإنسان عن هويّته الحضاريّة من دون إعطائه هويّة كاملة أخرى.

 ثانياً: على الوعي الحضاري المسيحي أن يكون مقترناً بعمل المحبّة. فالكلام في الله هو في المسيحية أساساً محبّة. وعلى هذه المحبّة أن تتجلى لدى المؤمن عبر علاقته مع الآخر، أي آخر، كائناً من كان. فمن غير اللائق لا بل من المعيب أن ينظر المؤمن لأخيه الانسان فقط من باب انتمائه السياسي أو هويته الطائفيّة أو اللادينيّة. فكل إنسان قيمة بحد ذاته وهو يتخطّى بكينونته أي انتماء وجودي، وهو موضوع محبّة الله وتجلّيه وخلاصه. باطل هو حب المؤمن لله وباطل هو لاهوته إن لم يشتفّ ماهيّته من حب القريب واحترامه والنظرة إليه كسبيل إلى الله ولتحقيق الذات الإنسانيّة.

 ثالثاً: باستقامة عمل الإيمان يستقيم فكر الإيمان، أي اللاهوت. تعددت الطوائف المسيحيّة ولكن المسيح واحد وعلى الشهادة أن تكون واحدة. تعددت الأديان والتصورات والله واحد، مبدأ الحياة وسرُّها. على اللاهوت الشعبيّ أن يتنزّه عن المماحكات التي ما برحت تفرّق المسيحيّين بدل توحيدهم باسم السيّد؛  وعليه أن يدفعهم إلى سلوك يقبل الآخر ويحاوره، يغتني منه ويغنيه، يحبّه ويحترمه، أكان مسلمًا أو يهوديًا أو ملحدًا… فالروح يهبّ حيث يشاء وعمل الله يتخطّى كل حدود وكل إدراك وكل دين وكل إطار.

 رابعاَ: لا يستطيع اللاهوت الشعبي أن يتقدّم في تفكّره بشكل سليم من دون الإصغاء إلى اللاهوت الجامعي واللاهوت الكنسي والإسنتاد عليهما لبل طلب المعونة التصحيحيّة منهما. لذلك على المؤمن الرامي التعبير عن خبرته الإيمانيّة المغنية للشهادة المسيحيّة أن يطّلع بقدر الإمكان على الفكر اللاهوتي الجامعي والكنسي من خلال المطالعات والندوات واللقآءات والبرامج المرئيّة والمسموعة، وعليه بالأخصّ الإصغاء إلى أهل المشورة بشكل راشد بعيد عن الطاعة العمياء أو الرفض الهدّام.

 خامساً: على اللاهوت الشعبي أن يعتبر تفكّره كحافز للالتزام بالانسان وقضاياه. عليه اعتبار الانسان قيمة مقدّسة عليها تحقيق ذاتها عبر التاريخ الشخصي لكل امرئٍ. وهذا التحقيق يمر عبر التزام كنسي سليم وبنّاء، قوامه الحوار والشهادة وعدوّه الطائفيّة والانعزال والتقوقع؛ وعبر نظرة جديدة للمواطنيّة الملتزمة بقضايا الوطن العربي الأساسيّة، قوامها بناء مجتمع سياسي تعددي سليم يساوي بين كل مواطنيه ويحترم اختلافهم ويلتزم القضايا الحقّة للشعوب أو الجماعات المضطهدة والمستنزفة في شرقنا. أمّا عدو هذه المواطنية الجديدة فهو التخلّف والتعصّب والتحزّب والاستبداد الأحادي بالسلطة. ولعلّ هذا الالتزام بالانسان يكون حافزاً لذوي النفوذ المالي لمساعدة الفقراء على النهوض اقتصاديّاً.

 سادساً: يستقي اللاهوت الشعبي ماهيّته من شخص المسيح كما يعرّفنا إليه الكتاب المقدّس والتقاليد الكنسيّة المختلفة. بالتالي، على المؤمن أن يقرأ الكتاب بشكل سياقي أو محلّي يستمع من خلاله إلى الكلمة الموجّهة إلى واقعه التاريخي والوجودي. لذا يجب الحذر من القراآت الكتابيّة الأثيريّة المتنزّهة عن الواقع المعاش. فكلمة الله تاريخيّة وهي تحتوي على مقوّمات حياة المؤمن المباشرة. إنها ثورة ضدّ الخطيئة والظلم والشرّ واللاعدالة الاجتماعيّة. إنّ الكتاب المقدّس دستور للمؤمن يحتوي على المعطيات الأساسيّة لالتزاماته الانسانيّة المختلفة.

 تبقى هذه الاعتبارات من باب الاقتراح، وعلى المؤمنين العاملين بحقل الربّ والانسان إكمالها وإغناؤها وتطبيقها من خلال الفكر والكتابة وحلقات الحوار والعمل، والتعبير عن الواقع الإيمانيّ المعاش وبناء لاهوتيّ وإنساني يتناول خبرة الحياة الإيمانيّة في كل الميادين، أكانت بسيطة جدّاً أو معقّدة للغاية. فالشهادة للمعلّم وبناء ملكوت الله لا يكونان فقط في الأطر المقدّسة، لا بل أساساً في معترك الحياة، لأنّ المخلّص قد قدّس الانسان بتجسّده والعالم بفدائه. فرُبّ شهادة إيمانيّة يراها أبناء الشرق العربي فيمجدّوا الآب الذي في السماوات…

بقلم الدكتور أنطوان فليفل

جريدة النهار 04.05.2008