ليس دفاعاً عن سيّد بكركي
في السابع من أيلول الجاري، كنت من بين الحاضرين في مركز مجلس الأساقفة الفرنسيّين في باريس، أشارك في المؤتمر الصحافي للبطريرك الماروني، بشارة الراعي. الحديث المشوّق بينه وبين الصحافيين الفرنسيين فاجأني، إذ كانت تفكّرات سيّد بكركي الجيوسياسيّة مختلفة جدّاً عن لغة خشبيّة وباهتة لطالما ألفناها. وكم كنت سعيداً عندما عبّر أصدقاء لي، صحافيون وجامعيون فرنسيون، عن إعجابهم برقي الحديث وعمق التحليل وجدّيته. ولكنّ شعوري ذلك كان مصحوباً بمخاوف من سوء فهم كلام الراعي واستثماره السياسي الرخيص منذ اللحظات الأولى لانتهاء المؤتمر، حين انتهره بعصبيّة بعض الصحافيين اللبنانيّين، طالبين التوضيح لأنّ «كلامه خطير»، وبالأخص ما قاله في الدقيقة الأخيرة من المؤتمر عن الموضوع السوري. وبالفعل، لم تتأخر ردّات الفعل البتة عن الموعد، فاعتُبر الراعي مثيراً للنعرات الطائفيّة، ومدافعاً عن سوريا، وضارباً الدولة اللبنانيّة، وخارجاً عن أدبيّات بكركي، ومعطياً غطاء لحزب الله يثبّت معادلة الجيش والشعب والمقاومة، ومسلّفاً مواقف إيجابيّة لسوريا…
لا شكّ أنّ كل ما يُكتب ويُقال هو خاضع للتأويل. فالتأويل علم، علم الفَسارة، حاول كبار الفلاسفة واللاهوتيّين وكل رجال العلم إتقانه، من أجل التوصّل إلى أوضح وأدقّ وأمتن فهم للأمور والأفكار. ولكن ما يدهشني هو أن يتناول سياسيون ورجال دين لهم مكانتهم في المجتمع اللبناني كلام البطريرك الراعي في ذلك اليوم، ويأوّلوه بخفّة وتشويه واستثمار سياسي رخيص، يمكن المراقب الناقد أن ينظر إليها كتعبير عن قدراتهم التأويليّة… احتراماً للعقل الناقد، وليس دفاعاً عن سيّد بكركي بل أمانة لما أعلنه، وهو يستحق أكثر بكثير ممّا احتوته المواقف المتشنّجة من اجتزاء وعدم أمانة، ينبغي توضيح أقوال بشارة الراعي عن موضوعي سلاح حزب الله وسوريا.
لم يدافع البطريرك الماروني في ذلك اليوم عن سلاح حزب الله، بل قال إنّ الحزب المتحالف مع سوريا وإيران، الذي يملك المال والتنظيم على كل الأصعدة، يشكّل مشكلة كبيرة لأجل سلاحه. فمن الواجب إيجاد حلّ لذلك السلاح. لم يبرّر الراعي بقوله ذاك أبداً بقاء سلاح حزب الله، ولم يدافع عنه، لكنّه عرض ثلاثة مبرّرات موضوعيّة يستعملها الحزب لتبرير محافظته على سلاحه، من دون أن ينقضها أو أن يعتبرها ضلالاً. فحزب الله يعتقد، بحسب الراعي، أنّ سلاحه لا يزال ضرورة، أ) لأنّ جزءاً من أرض جنوب لبنان لا يزال ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي، ب) لأنّ واقع وجود اللاجئين الفلسطينيّين على أرض لبنان مع أسلحتهم موضوع يجب معالجته بعودتهم إلى أرضهم، ت) ولأنّ الجيش اللبناني ليس مسلّحاً بالشكل المناسب للدفاع عن أرض لبنان. تلك هي مبررات حزب الله، وليست مبررات الراعي الذي يريد حلّ مسألة السلاح. فلذلك، طلب البطريرك من الدولة الفرنسيّة مساعدة اللبنانيين على إبطال تلك المبررات، من خلال ضغوط دبلوماسيّة مناسبة، وخطوات عمليّة، أي عبر تطبيق قرارات مجلس الأمن التي تلزم اسرائيل بالانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانيّة، وتطبيق قرارات مجلس الأمن التي تطالب بعودة اللاجئين الفلسطينيّين إلى أرضهم في فلسطين، ومن خلال تسليح الجيش بالشكل المناسب، ما يسمح له بالدفاع عن حدود لبنان. لم يدافع الراعي عن حزب الله، بل طالب باحترام المقررات الدوليّة، وتسليح الجيش اللبناني لإبطال مبررات حزب الله وحلّ مسألة سلاحه.
Leave a Reply