Newsletter

Pour recevoir les nouvelles du site, entrez votre courriel et cliquez sur « Je m’abonne »

La tendance laïque dans la pensée chrétienne libanaise (7), Conclusion : la laïcité à venir ? Al-Akhbar, 18.10.2010

النزعة العلمانية في الفكر المسيحي في لبنان  7

خاتمة: العلمانية الآتية؟

 07 laicite

انعقدت سلسلة مقالات «العلمانية في الفكر المسيحي في لبنان» على المساهمة في البحث حول المسألة العلمانية في لبنان عبر إلقاء الضوء على هذا المفهوم من زاوية الفكر المسيحي الديني في لبنان. وقد خلص هذا البحث إلى استنباط ميل هذا الفكر الواضح إلى العلمانية، نزعة تتفاوت بين الإذعان الخفر بتبني شكل من أشكال هذا المفهوم والنضال من أجل تطبيقه الشامل. يمكننا تصنيف العلمانية لدى المفكرين الذين تطرّقنا إلى فكرهم على الشكل الآتي: ميشال الحايك، الوطن اللاديني؛ يواكيم مبارك، النضال العربي الإنسانوي العلماني؛ جورج خضر، الدولة المدنية؛ مشير عون، العلمانية المعتدلة ذات الحياد المطلق؛ بولس الخوري، العلمانية المعتدلة الناقدة؛ غريغوار حداد، العلمانية الشاملة. من اللافت للنظر أنّ أشدّ النزعات العلمانيّة موجودة عند المفكرين من طائفة الروم الملكيين الكاثوليك (عون، الخوري وحداد)، أما النزعة الخفرة، فهي موجودة عند المفكرين الموارنة (حايك ومبارك). فيما نجد نزعة معتدلة في الطائفة الإنطاكية الأرثوذكسية (خضر).

 يجتمع هؤلاء المفكرون على أفكار عدّة ومن أهمها: نبذ الطائفية ومحاربتها والتمييز بين الدينيّات والسياسيّات. فجلي أنّ الفكر الديني المسيحي اللبناني يرفض أيّ ضرب من ضروب الدمج بين الدين والسياسة. ولكن مفكّرينا يتمايزون بنظراتهم إلى تطبيق العلمانية على صعيد النظام اللبناني. ففيما ينادي عون والخوري وحداد بإلغاء الطائفية السياسية، نلمس أحياناً عند الحايك ومبارك، وبوضوح عند خضر نوعاً من القبول بمشاركة الطوائف في الحكم ضمانةً للوجود المسيحي. ولربّما أثّر تمثيل الطوائف في الحكم بشكل ما على هذه النزعات: فالميل الخفر إلى العلمانية موجود عند الموارنة، وهم ينعمون بأعلى المراكز في الدولة اللبنانية. أمّا طائفة الروم الملكيين، فامتيازاتها أقل شأناً من امتيازات الموارنة والروم الأرثوذكس الذين ينعمون بثاني أهم المواقع السياسية بين الطوائف المسيحيّة. يبقى كل ذلك من باب الفرضيّة، وهذه الفرضية اللافتة ثانويّة لأنّه في كل الأحوال يبقى مغزى هذه النزعة العلمانيّة: تغيير سلوك سياسي ووطني يضع مصلحة الطائفة وحقوقها قبل مصلحة المواطن وحقوقه؛ ونقض عقلية تستعمل الطائفة أداة استعلاء وتنابذ وتمييز عنصري؛ وتجنّب كل شكل من أشكال الحكم باسم الله، لأنّ الشهادة لله إمّا أن تكون بمحبّة القريب، بعشق الحريّة، بالنضال من أجل كل إنسان، بالاحترام المطلق للغيريّة، وبغسل الأرجل كما يقول خضر، وإمّا ألا تكون.

 اقترنت كتابة هذا البحث مع صدور النص التحضيري Intrumentum Laboris لسينودس المسيحيّين الكاثوليك المشرقيين الذي سينعقد في مدينة الفاتيكان في شهر تشرين الأوّل من عام 2010، والذي سيتناول مسألة الحضور المسيحي في الشرق وشهادته. ومن اللافت للنظر أنّ هذا النصّ يلتقي مع أحد مقوّمات العلمانية المسيحية اللبنانية الأساسيّة، ألا وهو الطبيعة الإيجابية لهذه العلمانية تجاه الأديان: «على الكاثوليك أن يقدموا أفضل ما عندهم عبر التعمّق، مع المسيحيين الآخرين وأيضاً مع المفكرين والإصلاحيين المسلمين، بمفهوم العلمانية الإيجابية». لا يقدّم لنا النص المزيد من التفاصيل عن كيفية تطبيق هذه العلمانيّة، ولكنّه يتلاقى ولا شك مع الفكر المسيحي اللبناني العلماني على مسألة العلمانية الإيجابية تجاه الأديان. إذاً يتابع النص ويتكلّم عن سبل إحلال «مساواة أكبر بين المواطنين من الديانات المختلفة، عبر العمل على تطبيق ديموقراطية سليمة، علمانيّة إيجابية، تعترف كاملاً بدور الدين في الحياة العامة، وتحترم تماماً التمييز بين الديني والزمني».

 المناداة المسيحية بالعلمانية أتت من كبار أعلام الطوائف المسيحية في لبنان. ومن النافل القول إنّ هؤلاء القوم لا يأبهون بالوجود المسيحي الحر والفاعل والكريم والشاهد في لبنان والشرق. فحياتهم وفكرهم وتضحياتهم والتزاماتهم المتنوّعة هي خير شهادة على أمانتهم للدعوة المسيحية وللرسالة الإنجيلية الإنسانويّة. فالطائفية ليست قدراً على لبنان وليست شرط الوجود المسيحي الوحيد، إذ يمكن المسيحية أن تستمر بعيداً عن الطائفية وفي ظل نظام علماني ما زال يجب تحديده. وإن صدّقنا المنادين بالعلمانيّة الإيجابية، يجب علينا القول إنّ المسيحية تستعذب هذا الشكل من الحكم السياسي الذي يجعلها في حالة نقد ذاتي وتجدّد دائم وفي حوار مستمر مع الحداثة ومع ما بعد الحداثة.

 نأمل أن تُغنى مسألة العلمانية في لبنان بمقالات عدة أخرى من الأبحاث الضرورية التي تستنطق النزعات العلمانيّة في الفكر المسيحي اللاديني، في الفكر السنّي والفكر الشيعي والفكر الدرزي. ولدى كل هذا الطوائف أعلام كبيرة تكلّمت إيجاباً عن العلمانية ومالت إليها أو نادت بها. نذكر على سبيل المثال ولا الحصر: لدى المسيحيين اللادينيين، نصيف نصّار؛ لدى الطائفة السنيّة، عبد الله العلايلي؛ لدى الطائفة الشيعيّة، مهدي عامل؛ ولدى الطائفة الدرزية، كمال جنبلاط.

 يصرّ المنادون بالعلمانيّة على أنّها تطوّر حتمي للمجتمعات الإنسانيّة. فهل يتطوّر لبنان إلى مجتمع علماني عربي حديث؟ لا شكّ بأنّ الإشكاليّة الدينيّة السياسية في لبنان تختلف أشد الاختلاف عن الإشكاليّات التي عاشها العالم الغربي والتي أدّت به إلى تبنّي علمانيّات متنوّعة. فهذه الإشكاليّة تتمحور في لبنان حول المسألة الطائفيّة وهي إرث عثمانيّ تعود جذوره البعيدة إلى القرن السادس عشر. أشكال الحكم المتتالية التي عرفتها أرض بلاد الأرز كانت تأخذ دائماً بعين الاعتبار المسألة الطائفيّة، من فخر الدين، إلى بشير الشهابي، من المتصرّفية إلى القائمقاميتين، من لبنان الصغير إلى الجمهوريّة اللبنانيّة. ولكن، على رغم كل الشحن الطائفي الذي عرفناه في الحرب اللبنانيّة وفي المرحلة الحالية، هناك معطيات كثيرة في تاريخ لبنان الحديث تبشّر بمقوّمات عدّة لقيام علمانيّة لبنانيّة ومن أهمّها: الإجماع الوطني على مناصرة القضيّة الفلسطينيّة الحقّة في الستينيّات من القرن الماضي (إذ زالت الاعتبارات الطائفية في حينها)؛ جزء لا يستهان به من المقاومة الوطنيّة التي واجهت الكيان الصهيوني العنصري غير آبهة بالانتماء الطائفي ولكن مؤمنة بتحرير أرض مغتصبة؛ دستور وقوانين الدولة اللبنانيّة التي هي، باستثناء قوانين الأحوال الشخصيّة والأعراف، قوانين مدنيّة تطبّق باسم الشعب؛ الحركات الشعبيّة والتيّارات السياسيّة والجمعيّات والأشخاص المؤمنون بالعلمانيّة والمناضلون من أجلها، وهم من كل حدب وصوب، من كل الطوائف ومن كل المناطق؛ المفكّرون الذين نادوا وينادون بالعلمانيّة، ومنهم من التزم دينيّاً ومنهم من التزم إنسانيّاً. طبعاً هذا لا يكفي لتطبيق العلمانيّة، ولكنّه كاف للإيمان بمؤشّرات قد تبشّر بعلمانيّة آتية.

 إن أتت العلمانيّة اللبنانيّة وإن أذعنّا لتطلعات المفكّرين المسيحيّين الدينيّين، فإنّها ستكون في حالة صدام مباشر مع الطائفيّة. ومن أكبر تحدّيات هذه العلمانيّة احترام خصوصيّات العائلات الروحيّة وصونها، بحيث يشعر كل مواطن بأنّه منتم لوطنه، حرّ بمعتقداته وفكره من ضمن قوانين الدولة العلمانيّة، غير آبه بمعطيات ديموغرافية أو بتتطرّفات دينيّة أو طائفيّة قد تقلق وجوده. فمحور هذه العلمانيّة سيكون الإنسان وحياته الكريمة بدلاً من الطوائف وحقوقها. فهل يصبح لبنان، وهو موجود في منطقة تستبسل في الدفاع عن حقوق الله، الوطن اللاديني (حايك) الذي يستشرس في الدفاع عن حقوق الإنسان (مبارك وعون)، كل إنسان، كل الإنسان (حدّاد)؟

 أنطوان فليفل

جريدة الأخبار 18.08.2010

Leave a Reply

You can use these HTML tags

<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>