|
Béchara Sargi: le monde arabe n’existe pas, Al-Akhbar, 08.09.2011 بشارة صارجي: العالم العربي غير موجود
ولد بشارة صارجي في 1930 في بيروت، وبعد دراسته الفلسفة واللاهوت في إكليريكيّة دير المخلّص في جون، سافر إلى روما لمتابعة دروسه الفلسفيّة، هناك كتب أطروحة دكتوراه عنوانها «La participation de l’être dans la philosophie de Louis Lavelle»، طُبعت في منشورات بوشان عام 1957، وقدّمها له الفيلسوف الكبير بول ريكور. عاد صارجي إلى لبنان وعلّم في جامعات عدّة. كان الدكتور صارجي منتمياً إلى الرهبانيّة المخلصية، وكتب في تلك المرحلة من حياته، في 1975، كتاب «العلاقات الجنسيّة والدين»، الذي أثار ضجّة كبيرة، وانتقد فيه التعليم الأخلاقي الديني التقليدي حول الجنس. أدّى به تطوّر فكره بهذا الخصوص إلى أخذ قرار الزواج، اقتناعاً منه بأنّ حياة الإنسان لا تكتمل من دون عائلة. له كتابات عدّة وإطلالات متنوّعة على شاشات التلفزيون، ومنها برنامج «نور الأديان» على «تيلي لوميار».
قليلون هم الذين يتذكرّون صاحب المحاضرة الشهيرة التي ألقيت في 11 شباط 1958: «في سبيل فلسفة لبنانية»، في زمن كان فيه الصراع في أوجه بين نزعات العروبة واليسار ومقولات القوميّة اللبنانيّة واليمين. يطلعنا في هذه المقابلة الفيلسوف اللبناني بشارة صارجي على تفكّراته الفلسفية
■ ما هي الفلسفة؟
الفلسفة هي استخدام العقل، والعقل مجالاته لا حدود لها. يستطيع المرء أن يذهب إلى أقصى الحدود باستعمال العقل وأن يكون مطمئناً في نهاية المطاف إلى المكان الذي يصل إليه. وذلك تحديد ليس بجديد، عرفناه منذ أيّام أرسطو الذي قال إنّ الفلسفة هي البحث عن الأسباب النهائية والعميقة. وفكرته مشهورة في كتابه حول علم الماورائيات (métaphysique): أبدأ بالعمق، ولا أستطيع في نهاية المطاف إلا الوصول إلى فوق، عند الله. فهكذا، لا حدود للفلسفة، بالعمق وبالصعود إلى فوق. إن لم يستعمل الإنسان عقله، لا يمكنه العيش.
■ هل لا تزال للفلسفة وظيفة في العالم العربي حالياً؟ وهل هي قادرة على إعطاء أي شيء للعالم العربي؟
كلمة عالم عربي غامضة بعض الشيء لأنّ من الصعب تحديد العالم العربي. هناك بشر يعيشون في البيئة العربية، منهم من يتأثرون بالفلسفة، ومنهم من لا يتأثرون. المشكلة أنّه لا يوجد الآن عالم يمكننا تسميته العالم العربي. يجمع العرب قليلاً الدين الإسلامي، والبترول، والأوضاع الاجتماعية. لكن العالم العربي الذي حلم به الكثيرون في بداية القرن العشرين ليس له وجود لأنّه ضُرب بعدما تفككت الإمبراطورية العثمانية. لم تتأسس الوحدة العربية المرجوة في ذلك الزمان. استخدام العقل يفيد دائماً كلّ الناس. لكن «الشطارة» تكمن في كيفية استعمالهم له، وبقدرة إرادتهم على المثابرة في السير بطريق العقل. ذلك أمر يتطلّب الكثير من التعب والجهد. لكنّني لست «يائساً» ولا أقول إنّ العالم العربي لا يستفيد. لكن تعبير «عالم عربي» أضحى غامضاً.
■ إذاً فلنتكلّم عن السياق العربي، أي الشرق الأوسط والدول التي يحويها
ينبغي على العقل أن يؤدي دوراً أساسياً، لأنّه سبيل التطوّر في ذلك السياق العربي، وخاصة سبيل للأنسنة. الإنسان يتمايز عن بقيّة المخلوقات بالعقل. أنا لا أخترع شيئاً جديداً، فقد تمّ التعريف عنه منذ القديم على أنّه حيوان عاقل. إذا استخدم عقله استفاد، وإن لم يستخدمه تدنّى. المسألة واضحة! لا نريد أن نقدّم كتباً تقول إنّ الفلسفة هي دراسة الأشياء في أسبابها الأخيرة، إلخ. الفلسفة هي حول كيفية استخدام العقل في الحياة، وهذا أمر ضروري ومهم.
■ ما هي الأفكار الأساسية التي ينادي بها بشارة صارجي؟
على صعيد الوجود الإنساني، أنا أؤمن بمبدأ وبهدف خاصين بي. فأنا أعتقد أنّ على كلّ إنسان يريد أن يعيش حياة سليمة أن يعلم وأن يحدد من أين أتى وإلى أين يذهب. في تلك العملية، لدينا في وجودنا الإنساني، إلى جانب العقل، ما نسميه الإيمان. والإيمان هو من العمليات الإنسانية التي تخوّلنا خلق العلاقة مع الأمور. العقل يمكن أن يكون جزئياً، بينما الإيمان يدخلنا في حياتنا كلها. وذلك أمر بالغ الأهمية لأنّه لا يوجد على وجه الأرض إنسان لا يستعمل إيمانه في بداية الأمور. حتى الملحد، يصبح ملحداً بإيمان. مثلاً، المسيحي، قبل كل شيء يؤمن بالكتاب المقدّس حتى من دون درسه أو قراءته. المسلم يؤمن بالقرآن حتى قبل دراسته. فعملية الإيمان تلك موجودة في حياة كل إنسان. وإن أراد الإنسان أن لا يؤمن، فذلك أيضاً فعل إيمان أن لا يؤمن، لأنّه لا برهان على كل ذلك. ولكن كل إنسان على وجه الأرض يستعمل تلك العملية التي نسميها إيمان وهي أوسع من العقل. العقل يبرر، أما الإيمان فهو لا يبرر. الإيمان تسليم يسند نفسه بعد ذلك إلى العقل. الإيمان هو قبل كل شيء، وهو الذي يدفعنا بعد ذلك إلى توجيه عقلنا. أنا واجهت تلك المسألة عندما كنت أتكلّم السنة الماضية عن المؤمن المسيحي ونظرية داروين. لست بوارد دحض تلك النظرية العلمية، لكنّني في الوقت نفسه لا أزال أؤمن بما يقوله سفر التكوين. ذلك يعني بالنسبة إلي أنّ الإنسان الذي يمكن أن يكون حصيلة تطور طبيعي في جسده، لم يصبح إنساناً إلا بتدخل إلهي. وتلك فحوى رواية الكتاب المقدّس. ولكن، هل صنعه من تراب أو من قرد؟ ذلك ليس الموضوع. الموضوع هو أنّ وجود الإنسان على الأرض نابع من تدخل إلهي. وتلك قناعة استقيتها من الكتاب المقدّس، بفعل إيمان. تريحني تلك خلاصة. هل هذا خطأ أم صواب؟ ذلك إيماني أنا. وبعد ذلك، إن تكلّمت عن الإنسان، أتكلّم عنه انطلاقاً من هذا الإيمان. إن قبلت بالعلم، أقبل به انطلاقاً من هذا الإيمان. فلذلك، عليّ احترام إيمان غيري في حوار الأديان، وأن أساعده على عيش إيمانه بحسب منطلقاته. يجب نبذ الفكر القائل بأنّ الحقيقة واحدة وبأنّها موجودة في مكان واحد. فلولا إيماني لما قلت عن حقيقتي إنّها حقيقة. ولولا إيمان المسلم لما قال عن حقيقته إنّها حقيقة. ولكن في أي وقت تصبح حقيقة المسلم أو حقيقة المسيحي حقيقة بالفعل؟ عند عيشها. وذلك ما يقوله الفيلسوف كيركغارد: «الحقيقة ليست من حقل المعرفة، لكنّها اختصاص كل الذاتيّة (subjectivité)». فمن يعيش حقيقته هو حقيقي. تلك هي فكرتي الأساسية، فإن لم تكن الفلسفة خادمة للإنسان فلا قيمة لها. والفلسفة التي تريد إيصال الإنسان إلى العدم، أنا أرفضها.
■ إذاً أنت تعارض كلّ التيارات الفلسفية التشاؤمية؟
أجل، كلّها. فنظرتي الفلسفية لها منطلق واضح: الإنسان قيمة على هذه الأرض، وعندما يجتمع مع الآخر يصبح قيمة أكبر. أنا لا أقبل أن يكون وجود الإنسان لا معنى له. وقد قلت شيئاً في 1959 أغضبت أثناءها المسلمين والمسيحيين: قبل أن أكون مسيحياً أو مسلماً، أنا لبناني، أنا كائن طبيعي ولد في هذا البلد. هذا اللبناني يعتنق المسيحية أو يعتنق الإسلام.
■ ماذا عن العلمانية والطائفية؟
كنت أتناول العشاء في 1956 مع بول ريكور، وكان في ذلك الحين هناك مشكلة فرنسا والجزائر. وقال لي أثناءها إنّ النموذج المثالي للجزائر هو لبنان. وبالفعل، عندما ولد لبنان كان نموذجاً، باقة جميلة، لكن لعبة الأمم شوّهته، وبالأخص الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينيّة في 1948 واللجوء الفلسطيني الذي تلاه إلى لبنان. فذلك زجّ به في عمق القضيّة الفلسطينيّة، ما أضاع التوازن الذي كان موجوداً عند ولادته، إذ لم تكن هناك من طائفة طاغية. إنّ الظلم الذي عاشه الفلسطيني على أرضه وواقع نزوحه إلى لبنان ساهما في خلق واقع طائفي، وقتل ذلك لبنان.
■ إذاً، القضية الفلسطينية لها علاقة بمشاكل لبنان؟
القضية الفلسطينية قضيّة محقّة، والشطارة أنّها بقية قضية محقّة على الرغم من لعبة الأمم. كانوا يريدون قتل القضية الفلسطينية لكي ينساها العالم ولم يفلحوا في ذلك. فحتى إسرائيل تحسب الآن لها حساب. لكن، على الرغم من تلك الوقائع، أبقى مقتنعاً بأنّ مشكلة لبنان لن تنحلّ طالما لم يتم التوصّل إلى حلّ للقضيّة الفلسطينيّة.
■ كيف تنظر إلى الربيع العربي؟
الشيء الأكيد أنّ الشعب أصبح متضايقاً من أنظمته، لكنّني لا أرى أنّ الحلّ آت بتلك السهولة. الشعب بدأ الآن بالتذمّر في تونس وفي مصر. الثورة هي في العادة من تخلق مجتمعها، لكن شعوري أنّ الثورات ليست بطور خلق مجتمعها في العالم العربي، وأنّ الثوب الحاضر (prêt à porter) قد حاكه الخارج للعالم العربي. الثورة هي وليدة المعاناة في العالم العربي، لكن الخارج يتكفّل الآن بإكمال الطريق.
لست مطمئناً على استمرارية الثورات وعلى بلوغها أهدافها. ومن المحتمل أن يقسّموا الدول العربية أكثر وأكثر. فالعراق تقسّم، واليمن على الطريق، وسوريا هي المسألة الكبيرة في ظل إصرار دول غربية على إزاحة النظام. والمشكلة الأكبر هي في تغيير الحكم في سوريا مع عدم وضوح من قد يتسلّم الحكم في حال سقوطه.
حاوره أنطوان فليفل
جريدة الأخبار 08.09.2011
|
|
Leave a Reply