Newsletter

Pour recevoir les nouvelles du site, entrez votre courriel et cliquez sur « Je m’abonne »

Pas dans le but de défendre le patriarche maronite, Al-Akhbar, 15.09.2011

ليس دفاعاً عن سيّد بكركي

 16 Antoine Fleyfel Rai

 في السابع من أيلول الجاري، كنت من بين الحاضرين في مركز مجلس الأساقفة الفرنسيّين في باريس، أشارك في المؤتمر الصحافي للبطريرك الماروني، بشارة الراعي. الحديث المشوّق بينه وبين الصحافيين الفرنسيين فاجأني، إذ كانت تفكّرات سيّد بكركي الجيوسياسيّة مختلفة جدّاً عن لغة خشبيّة وباهتة لطالما ألفناها. وكم كنت سعيداً عندما عبّر أصدقاء لي، صحافيون وجامعيون فرنسيون، عن إعجابهم برقي الحديث وعمق التحليل وجدّيته. ولكنّ شعوري ذلك كان مصحوباً بمخاوف من سوء فهم كلام الراعي واستثماره السياسي الرخيص منذ اللحظات الأولى لانتهاء المؤتمر، حين انتهره بعصبيّة بعض الصحافيين اللبنانيّين، طالبين التوضيح لأنّ «كلامه خطير»، وبالأخص ما قاله في الدقيقة الأخيرة من المؤتمر عن الموضوع السوري. وبالفعل، لم تتأخر ردّات الفعل البتة عن الموعد، فاعتُبر الراعي مثيراً للنعرات الطائفيّة، ومدافعاً عن سوريا، وضارباً الدولة اللبنانيّة، وخارجاً عن أدبيّات بكركي، ومعطياً غطاء لحزب الله يثبّت معادلة الجيش والشعب والمقاومة، ومسلّفاً مواقف إيجابيّة لسوريا…

 لا شكّ أنّ كل ما يُكتب ويُقال هو خاضع للتأويل. فالتأويل علم، علم الفَسارة، حاول كبار الفلاسفة واللاهوتيّين وكل رجال العلم إتقانه، من أجل التوصّل إلى أوضح وأدقّ وأمتن فهم للأمور والأفكار. ولكن ما يدهشني هو أن يتناول سياسيون ورجال دين لهم مكانتهم في المجتمع اللبناني كلام البطريرك الراعي في ذلك اليوم، ويأوّلوه بخفّة وتشويه واستثمار سياسي رخيص، يمكن المراقب الناقد أن ينظر إليها كتعبير عن قدراتهم التأويليّة… احتراماً للعقل الناقد، وليس دفاعاً عن سيّد بكركي بل أمانة لما أعلنه، وهو يستحق أكثر بكثير ممّا احتوته المواقف المتشنّجة من اجتزاء وعدم أمانة، ينبغي توضيح أقوال بشارة الراعي عن موضوعي سلاح حزب الله وسوريا.

 لم يدافع البطريرك الماروني في ذلك اليوم عن سلاح حزب الله، بل قال إنّ الحزب المتحالف مع سوريا وإيران، الذي يملك المال والتنظيم على كل الأصعدة، يشكّل مشكلة كبيرة لأجل سلاحه. فمن الواجب إيجاد حلّ لذلك السلاح. لم يبرّر الراعي بقوله ذاك أبداً بقاء سلاح حزب الله، ولم يدافع عنه، لكنّه عرض ثلاثة مبرّرات موضوعيّة يستعملها الحزب لتبرير محافظته على سلاحه، من دون أن ينقضها أو أن يعتبرها ضلالاً. فحزب الله يعتقد، بحسب الراعي، أنّ سلاحه لا يزال ضرورة، أ) لأنّ جزءاً من أرض جنوب لبنان لا يزال ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي، ب) لأنّ واقع وجود اللاجئين الفلسطينيّين على أرض لبنان مع أسلحتهم موضوع يجب معالجته بعودتهم إلى أرضهم، ت) ولأنّ الجيش اللبناني ليس مسلّحاً بالشكل المناسب للدفاع عن أرض لبنان. تلك هي مبررات حزب الله، وليست مبررات الراعي الذي يريد حلّ مسألة السلاح. فلذلك، طلب البطريرك من الدولة الفرنسيّة مساعدة اللبنانيين على إبطال تلك المبررات، من خلال ضغوط دبلوماسيّة مناسبة، وخطوات عمليّة، أي عبر تطبيق قرارات مجلس الأمن التي تلزم اسرائيل بالانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانيّة، وتطبيق قرارات مجلس الأمن التي تطالب بعودة اللاجئين الفلسطينيّين إلى أرضهم في فلسطين، ومن خلال تسليح الجيش بالشكل المناسب، ما يسمح له بالدفاع عن حدود لبنان. لم يدافع الراعي عن حزب الله، بل طالب باحترام المقررات الدوليّة، وتسليح الجيش اللبناني لإبطال مبررات حزب الله وحلّ مسألة سلاحه.

 

تندرج أقوال الراعي عن سوريا من ضمن مبادئ الكنيسة العامّة وتحاليل تصيب واقع المتغيّرات المستجدّة في الشرق الأوسط، ومنها الربيع العربي. هو يؤكّد أنّ مطالب الشعوب العربيّة بالعيش الكريم محقّة، وهو مع كلّ الإصلاحات اللازمة. لكنّ البطريرك عبّر عن مخاوف ثلاثة للسلطات الفرنسيّة: خشية استبدال الأنظمة الحاليّة بأنظمة أصوليّة، وخشية حصول حروب أهليّة طائفيّة كما في العراق، يدفع المسيحيون ثمنها غالياً، والخشية من مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي قد يؤول إلى تفتيت البلدان العربيّة إلى دويلات طائفيّة. وعندما تكلم على الواقع السوري، لم يتوان الراعي عن التذكير بالمعاناة التي لم ينسها من ذلك النظام في لبنان.، لكنّه عقّب على ذلك مستعملاً صيغة الماضي، مضيفاً إنّ الرئيس الأسد كان قد بدأ بإصلاحات سياسيّة، وإنّه كان يجب إعطاؤه فرصة للمباشرة بتلك الإصلاحات، «بالأخص لتجنّب العنف»، ولحاجته الى الوقت لأنّ الحكم في سوريا ليس قائماً فقط على شخصه، بل على ماكينة حزب البعث السياسيّة. وأشار البطريرك بوضوح الى أنّ الكنيسة لا يمكنها أن تأخذ موقفاً إيجابياً أو سلبياً من أي نظام، لكنّها مع كل حلّ يعطي الشعوب حقوقها، ويجنّب العنف. فإن كان بالإمكان تجنّب العنف الحاصل الآن في سوريا، وبلوغ المطالب المحقّة للمواطنين، فأين الخطأ؟ أمّا مخاوف البطريرك من تداعيات تغيير النظام في سوريا، وحصول حرب طائفيّة، فهي مبنيّة على التجربة العراقية، وهو طرح السؤال: «ماذا كان العراق، وماذا أصبح؟ أين هي الديموقراطيّة التي أرادوها؟». لم يدافع الراعي عن النظام السوري، بل أعلن عن آمال كانت لديه لحلّ تلك المسألة، من دون اللجوء إلى العنف الحاصل الآن، ومن خلال تطبيق إصلاحات سياسية داخليّة. ولم يقل إنّ على النظام البقاء أو الذهاب، بل طرح تساؤلات عدّة تأخذ بعين الاعتبار معطيات إقليميّة موضوعيّة (بالأخص أوضاع المسيحيين في العراق ومصر)، ومبادئ كنسيّة كالحياد السياسي وتجنّب العنف.

 باختصار، طالب البطريرك الماروني بالأمور الآتية: إبطال مبررات حزب الله للتخلّص من سلاحه، التوصّل إلى إصلاحات يريدها الشعب السوري من دون عنف وقتل، نبذ قيام كيانات أصوليّة أو دويلات طائفية، عودة الفلسطينيّين إلى أرضهم، تحرير ما بقي من أرض لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، وتسليح الجيش. فهل تلك المطالب هي فعلاً مخالفة لثوابت بكركي التاريخيّة، ومشرّعة لسلاح حزب الله ومؤيّدة للنظام السوري؟

أنطوان فليفل

جريدة الأخبار 15.09.2011

Leave a Reply

You can use these HTML tags

<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>