Newsletter

Pour recevoir les nouvelles du site, entrez votre courriel et cliquez sur « Je m’abonne »

Joseph Maalouf : la théologie du dialogue avec la modernité, Al-Akhbar, 02.09.2011

جوزيف معلوف: لاهوت الحوار مع الحداثة

 14 Maalouf Mihnat

 في كتابه الأخير، يتناول أستاذ الفلسفة جوزيف معلوف إصلاحيي الفكر اللاهوتي في القرن العشرين، وتحديداً البروتستانت منهم، والتحديّات التي واجهتهم بعد تنامي النقد في أوروبا تجاه النص الديني عموماً

 صدر حديثاً عن «سلسلة سبيلنا إلى الوحدة المسيحية» كتاب لأستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية، الدكتور جوزيف معلوف، بعنوان «محنة الفكر الديني، مفكّرو الإصلاح في القرن العشرين» (منشورات المكتبة البولسية ـــــ 2011). يروم هذا البحث إلقاء الضوء على التحدّيات الفكرية التي واجهت لاهوتيي الإصلاح البروتستانتي في القرن العشرين، إثر تغيّر القرائن التاريخية والاجتماعية والفكرية التي ولد فيها ذاك الإصلاح في القرن السادس عشر. ولا يتوانى معلوف عن وصف «المحنة المصيريّة التي تعانيها المسيحية» الغربية التي أسهم في استثارتها «التيار العقلاني وتنامي الروح النقدية في أوروبا إزاء تاريخيّة النص الديني، وتفسير الوحي الإلهي، وعلاقة الله بالإنسان، ومضمون العقائد».

 يؤدّي هذا الكتاب خدمة جليّة للفكر الديني العربي، إذ يملأ فراغاً كبيراً، عبر دراسته ـــــ باللغة العربية ـــــ أفكار كبار لاهوتيي الإصلاح في القرن العشرين، ومن خلال إدراج تلك الأفكار ضمن تيّارات لاهوتيّة تتكامل وتتجابه، تتطور أو تضمحل. يُدخل الكاتب القارئ إلى تفكّر إيماني نادراً ما نفقهه في العالم العربي، حيث الغلبة إجمالاً للنص الديني الذي يتخطّى التاريخ، لتأويل المؤسسة الدينية أو لجمود العقائد، إذ يتميّز لاهوت الإصلاح الغربي بدرجة رفيعة جدّاً من النقد العلمي والتقابس مع الفلسفة والعلوم الوضعية والإنسانية والتاريخية، وهو لا يتوارى عن الغوص في تساؤلات قصيّة تصيب أقدس التقاليد، وتطيح أمتن المفاهيم الدينيّة المُسلّم بها. يقدّم أيضاً هذا الكتاب ترجمات لمصطلحات لاهوتية ولمفاهيم دينية لطالما تساءل قارئ اللغات الأجنبية عن كيفيّة تعريبها بأمانة. أمّا المنهجية العلمية التي يستعملها معلوف، فهي تُطلع الباحث على أسلوب نقد في العلوم الدينية قلّما ألفناه في سياق كَثُرت فيه الدراسات الدينية الدفاعية، والتقويّة، والسطحيّة، والتاريخيّة.

 يشبه هذا الكتاب موسوعة مصغّرة لفكر الإصلاح الغربي في القرن العشرين، تولّفه وتعرض باقتضاب دسم ورفيع، منهجيّة لاهوتيّين يصعب الاستقصاء عن أفكارهم وكتاباتهم في المكتبة الدينيّة العربيّة. من أهمّهم: فريدريك شلايرماخر، أدولف فون هارناك، رودلف بولتمان، فريدريك غوغارتن، كارل بارت، إميل بونر، بول تيليخ، فولفهارت باننبرغ، يورغان مولتمان، دييتريش بونهوفر، غيرهارد إيبلينغ، وإرنست كيزيمان… كما يسطّر الكتاب، بطريقة فذّة، تعاقب التيّارات الفكريّة، فيما يذكّرنا جوزيف معلوف بأنّ القرن العشرين اللاهوتي افتتح بمحاضرة لأدولف فون هارنك، يضع في متناولنا تطوّر الفكر الديني البروتستانتي من خلال نقده لذاته ولقائه مع إشكاليّات الحداثة وتحدّياتها. هكذا، يخيّل إلينا أنّنا أمام رواية مشوّقة تخبرنا عن المسيرة التاريخيّة للتيّارات اللاهوتيّة الكبيرة التي طبعت الفكر الديني الغربي برمّته، ومن أهمّها: اللاهوت الليبرالي، اللاهوت الجدلي، لاهوت الأزمة، اللاهوت الوجودي، اللاهوت التأويلي، لاهوت الثقافة، لاهوت الرجاء، اللاهوت السياسي، مسألة تاريخيّة يسوع الناصري…

 أهمّية هذا الكتاب تتخطّى مسألة الاطلاع البحتة، أو التعرّف على أنظومات دينيّة لم نألفها إلا نادراً، في عالمنا العربي، إذ إنّ تفكّرات اللاهوتيين الذين يعرض معلوف أبحاثهم، تدفع القارئ إلى التبصّر بأعمال لاهوتيّة لا تهاب الحوار مع الحداثة ومكتسباتها، لا بل تستنبط منطقها انطلاقاً من مقولات يرفضها الفكر الديني العربي عامّة، ويواجهها أو يعدّها مخالفة لأسس الإيمان، إذ لم يخشَ لاهوت الإصلاح، في القرن العشرين، قراءة النص الديني قراءة نقدية تاريخية تؤدّي مثلاً، مع رودولف بولتمان، إلى «تفكيك الأسطورة» الكتابية. فهذا الأخير رأى أنّ صياغة الكتاب المقدّس أسطوريّة، وأنّ على اللاهوت المسيحي أن يعبّر عن حقيقة الإيمان عبر خطاب يحترم تقدّم الأبحاث العلمية، ويتكلّم لغتها، ولا يعرضها باسم نظرة إلى العالم ترقى إلى أكثر من ألفي عام. فالفرق شاسع بالنسبة إلى اللاهوت الوجودي واللاهوت التأويلي، بين معنى النص المقدّس الذي يبقى الأساس، وطريقة التعبير عن هذا المعنى بخطاب نسبي، عليه أن يجاري دائماً تطوّر الثقافات الإنسانية. ولم يتردّد بعض هؤلاء اللاهوتيين باعتبار أنّ العلمانية تستمدّ مبادئها من الإيمان المسيحي، مثل غوغارتن، الذي يقول إنّ العلمانية نتيجة منطقيّة للمسيحيّة، إذ «إنّ لاهوت العلمانيّة هو محور الإصلاح منذ مارتن لوثر في مطلع القرن السادس عشر». يتجلّى ذاك المنطق بأبهى حلله في فكر بونهوفر، الذي قضى في المعتقل النازي في 1945، وتكلّم عن مسيحيّة آتية لادينيّة، تعبّر عن رسالة المسيح الإيمانيّة، في عالم راشد لا يحتاج إلى الدين في مقاربته لأصالة وجوده.

 كلّ تلك المحاولات اللاهوتية كان هدفها بناء خطاب ديني يثبت أنّ الإيمان والحداثة لا يتناقضان، وأنّه يمكن الأنظومة الدينية المسيحية أن تجاري تطوّر الإنسان، وأن تسهم في بناء الحضارة الإنسانية بكلّ أصالة، لكن تلك المحاولات ولدت من رحم أزمات متعددة وكبيرة، هزّت كيان الأنظومة المسيحية الغربية التي لطالما اعتادت، على مرّ القرون، العيش في بيئة مسيحيّة صرفة. فمعظم «اللاهوتيين أجمعوا على وجود محنة دينيّة عميقة ومصيرية في المجتمعات الأوروبية، إذ بات الخطاب المسيحي، على حد تعبيرهم، خطاباً باهتاً وخجولاً تنقصه الحيويّة والإبداعية، نظراً إلى حدّية التحدّيات العلميّة والاجتماعية والوجوديّة التي تعترض سبيله». ويخلص الدكتور معلوف إلى القول إنّ «اللاهوت الإصلاحي نجح في إعطاء أجوبة جديدة عن تساؤلات عصرنا عن الله، إلا أنّ هذه الأجوبة تبقى مؤقّتة، إذ ينبغي للاهوتيين أن يعيدوا النظر في كلّ ما كتبوه عن الله، لأنّ اللغة، مهما سمت، تبقى عاجزة عن التعبير عن الله وسموّه. من هنا ضرورة انفتاح المسيحيّة الدائم على النقد… كي تبقى تلك الديانة في نماذجها المتعدّدة قادرة على التجدد والتأثير في حركة التاريخ». تبقى تلك الخلاصة النقدية استنطاقاً برسم الخطابات الدينية في لبنان والشرق، لعلّها تخفّف من وطأة يقينها بامتلاك الحقيقة، وتتّضع أمام السر الذي يسمو كلّ تعبير وكلّ كلام لا تحدّه أيّ مؤسسة دينية أو إنسانية، ولا يمكن أيّ تعليم عقائدي، أو كتاب أو سلطة دينيّة أن تقبض عليه.

 يستثيرنا هذا الكتاب إلى طرح تساؤلات كثيرة برسم القيمين على اللاهوت والخطاب الديني والتفكّر الإيماني في عالمنا العربي، وخاصة في لبنان، حيث لحريّة الفكر هامش أكبر نسبيّاً. هل على قراءات الكتب المقدسة أن تبقى مقفلة أمام باب التأويل العلمي والتاريخي، وهذا التأويل لا يؤذي الإيمان، بل يحرّر من نظرات غير آنيّة إلى العالم، ويوسّع أفق الإنسان الدينية، إذ يضع جانباً فكرة تعارض الحداثة مع الإيمان؟ هل يجوز للبعض المضي في اعتبار العلمانيّة، مع صعوبة تحديدها، منطقاً مضاداً للدين، ومناقضاً له أو متعارضاً معه؟ وهل من المسموح به استمرار الإعراض، في كثير من السياقات الدينية، عن استعمال العقل الناقد والعلمي لفهم معنى الوجود والأصل والإيمان؟

هذا الكتاب ليس أوّل عمل فكري يتطرّق من خلاله البروفسور جوزف معلوف إلى الفكر الديني الناقد، وكتابته في هذا الموضوع ليست أوّل خدمة يؤدّيها لإغناء المكتبة العربيّة الدينيّة. فقد ترجم، بالاشتراك مع أورسلا عسّاف، أحد أهم كتب اللاهوتي الكبير هانس كونغ، الذي تشاجر مع الدوائر الفاتيكانيّة، في أواخر السبعينيّات «مشروع أخلاق عالميّة» (بيروت، دار صادر، 1998). يتكلّم هذا الكتاب عن ضرورة إيجاد أخلاق كونيّة يتلاقى البشر على أساسها، كما يشدّد على أنّه لا يمكن التوصّل إلى سلام عالمي من دون سلام ديني، ولا يمكن البلوغ إلى سلام ديني من دون الحوار بين الديانات. تلك الأطروحات تضع جانباً كلّ منطق يروم القبض على الحقائق الأخلاقيّة وقولبتها في حقيقته، أدينيّة كانت أم لا. فالتوصّل إلى مبادئ العيش الإنساني في المدينة هو من مسؤوليّة كلّ المواطنين، أكانوا متديّنين أم علمانيّين، ويتطلّب ذلك من كلّ الأطراف حواراً عميقاً وأصيلاً، واعترافاً بالقيمة الإنسانيّة الأخلاقيّة الموجودة عند الآخر، أمرتكزة كانت على الدين أم لا. ذاك الفكر الديني الناقد الذي يقر بالقيمة الأخلاقيّة الموجودة عند كلّ البشر، يتعارض مع كلّ منطق ديني تقليدي أو طائفي لا يؤمن إلا بحقيقة مصدرها أنظومته الخاصّة، لا بل يسير هذا الفكر في مسلك المنهج العلماني الذي ينطلق من فكر إنسانوي، قوامه قيمة الإنسان الذاتيّة وإسهامه، عبر حياته الخاصة وإيمانه، في إغناء الحياة الإنسانيّة من خلال خبراته الوجوديّة وتفكّراته. كتاب «محنة الفكر الديني» تناول تلك الإشكاليّات على نحو أوسع، وأدرجها ضمن مسيرة فكريّة تخصّ تيّارات لاهوتيّة ولاهوتيّين عدّة. وقد أظهر تلازم العلمانيّة مع الفكر الديني الناقد، وأهمّيتها لإيمان أصيل يعيشه إنسان الحداثة وما بعد الحداثة. ذاك الفكر الديني الناقد يصرّ على أنّ العلمانيّة هي في زمننا أفضل الأنظمة الإنسانيّة الضامنة للحريّة الدينيّة، وللعيش الكريم وللتلاقي الإنساني. ينطبق ذلك طبعاً على شرقنا العربي، وبالأخص على لبنان، حيث يتفشّى المنطق الطائفي الذي يستكرهه الفكر الديني الناقد. وقد كتب جوزف معلوف في هذا السياق انّه «مقتنع بأنّ المشرق العربي سيتفكّك ويتقهقر إن لم يواكب الحداثة في توجّه علماني منفتح يضمن حقوق الجميع، ويرفع من استقلاليّة الفرد، ويحترم الأديان وخصوصيّتها» (العلمانيّة: مطلب أقليّات أم حاجة مشرقيّة، محاضرة أُلقيت في 5/12/ 2009، في مؤتمر «العلمانيّة في مسألة متجدّدة» في جامعة الروح القدس الكسليك).

أنطوان فليفل

جريدة الأخبار 02.09.2011

Leave a Reply

You can use these HTML tags

<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>