Newsletter

Pour recevoir les nouvelles du site, entrez votre courriel et cliquez sur « Je m’abonne »

Ils recherchent les votes… je recherche l’être humain, An-Nahar, 31.05.2009

يبحثون عن الأصوات وأنا أبحث عن الإنسان

 

تستوقفني الشعارات الانتخابية الرنّانة يوما بعد يوم. فتلك التي تحذرني من الخطر الامبريالي الامريكي الصهيوني وتينك التي تضع نصب عيني مخططات محور الشر الايراني السوري. وما اكثر البازارات الاعلامية المسوقة للانتماءات الوطنية، من عربية الى غربية، من حجازية الى اعجمية، من فرعونية الى شامية، من قدسية الى بيروتية…

 أما لغة التخاطب السياسي الدنيئة فحدث ولا حرج، فبضع ساعات من تصاريح مسؤولينا كفيلة بإفساد سنين من التربية المدنية والأخلاقية. هذا يبشرني بمشروع ثورة الأرز السرمدية وذاك يبغي اقلاق وجودي بمشروعه الوطني الداحر للتدخلات الغربية السافرة. مللت وكليت من لغات التخاطب الخشبية الفارغة، تلك التي تروم احقاق الطائفة وتجنب تهميشها، تلك التي تؤثر ابعاد اشخاص غير أكفياء والخروج عن الطاعة الدينية، تلك التي تؤلّه الرئيس والقائد والسيد والعماد والوجيه والأستاذ والمعلّم وصاحب المعالي، وصاحب السعادة…

 سئمت الخطابات المجوفة، تلك التي تدّعي رسم مستقبلي ومستقبل اولادي، خطابات ملؤها التعصّب والتحزب ونبذ الاخر والتجريح بالغير والجهل والتقوقع والانغلاق، خطابات خلت من أي مشروع سياسي بالمعنى النبيل للكلمة، اي مشروع محوره بناء انسان اصيل وانسانية جديدة تستند الى مبادئ موجودة في شرعة حقوق الانسان وفي تعاليم دياناتنا التوحيدية السامية. انني ارى في بلاد الأرز رهوطا من المشاريع ووابل من الانتماات ولست ادري في العمق ما يميزها، اذ غاب عنها كلها مشروع الانسان، ضحيّة الوطن الأولى والشهيد الدائم لمصالح قوم ما عرفوا من الانسانية الحقة الا ومضها. مصيبتنا الاساسية في لبنان ليست في كل المشاكل المعروضة من قبل الافرقاء السياسيين، مصيتنا الأولى على ما قاله الشاعر أنّ حسّ السؤال عن الإنسان عندنا قد غاب.

 فمن هو انساننا وما هويته وكيف تحدّد؟ اهو انسان الانتماء الطائفي ؟ أم هو انسان المناطق والطبقات الاجتماعية ؟ اهو انسان الاحزاب وقد اعمت بصيرته عقائد كره الاختلاف ام هو انسان الاقطاعيات السياسية ؟ اهو المجاهر بلبنانيته او عربيّته أم المجاهر بجذوره الفينيقية او المتوسطيّة ؟ اهو رجل سوريا او مصر، السعودية او ايران، الغرب او العدو ؟ كثرة التحديدات وكثرة الانتماءات وكلها تبعد الانسان عن اصالته المبتغات وتغرّبه عن ذات لم يبلغها بعد، عن كينونة هي مصدر كل انتماء وكل وجود وكل ولوج الى الحياة.

 مشكلتنا ان كل الطرق المحيطة بنا تبحث عن صورة معيّنة لانسانها وهي تحاول ان تجعله دينيّا او علمانيا، لبنانيا او عربيا، غربيا او محازبا، مناصرا او مؤيدا. والمبتغى الحق يقتدي بجعل المتديّن انسانا واللبناني انسانا والمحازب انسانا والمناصر انسانا. المفقود هو الانسان والمرام هو الانسان والبحث هو عن الانسان. فكل الانتماات وكل العصبيات السياسية والدينية والوطنية باطلة ان بقي انساننا ضائع. فما نفع تحرير الارض ان لم يحرر الانسان من نبذه لقريبه الانسان ؟ وما نفع انتصار الطائفة ان لم ينتصر الانسان على تقوقعه ؟ وما نفع الاغلبيات النيابية ان بقي الانسان اقلية فاقدة الصوت والهويّة ؟

 في قلبي حسرة تتوق الى الانسانية الحقّة، تلك التي هي على صورة الله، الرحمن والرحيم والحب المتجلّي الذي اعطى ذاته بكليّتها ليرينا طريق الحريّة الحقيقية التي مصدرها حب القريب وقبول الاختلاف وصون التنوّع. يا ليتنا نرمم الانسان قبل ان نرمم الاوطان، يا ليتنا نصون الحب قبل ان نقتل ما نعتبره شر ويا ليتنا نسير مسرى تحريرنا من ذاتنا قبل ان نبحث عن تحريرنا من الاحتلالات الخارجية.

 رحم الله الاب والمعلم الكبير ميشال الحايك الذي قال أن الوطن لا قيمة له إذا لم يكن إطارًا لتنمية الإنسان، وأنّ الانسان قبل الأوطان، وأنّه إن سلم سلمت، وإن خارت روحه انهارت أرضه. من تحرير الروح تبدأ عملية تحرير الأرض. فعلينا اليوم، كما على الجميع، وكلنا نازحون مشرّدون عن لبنان الروحي، أن نتجنّس روحيًّا فيه لنستحق استيطانه من جديد. فمتى يولد الانسان عندنا في لبنان ؟

بقلم الدكتور أنطوان فليفل

جريدة النهار 31.05.2009

 

Leave a Reply

You can use these HTML tags

<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>